عشتارتيفي كوم- اعلام البطريركية/
ترجمها من الفرنسية سيادة المطران رمزي كرمو 20/5/2017
سيداتي سادتي
1. الحرب دوما شر، بينما السلام يفسح المجال ليعيش البشر بحرية وكرامة وفرح.
2. الأديان يجب ان تعمل من اجل السلام وليس لإشعال الحروب.
3. العسكريون هم كالأطباء عليهم إن يوفروا الأمن ويحافظوا على الحياة، لا أن يخلقوا الحروب.
ثمة قول كان يردد في الإمبراطورية الرومانية: "اذا أردت السلام، تهيأ للحرب". وللفترة (1917-2017) نجد أن هذا الشعار لم يجلب للبشرية سوى الآلام والدموع والخراب والحزن. ان الحروب حصدت أرواح ملايين البشر نذكر على سبيل المثال الثورة البولشيفية عام 1917 والحربان العالميتان (1914-1918) و (1939-1945).
في 11نيسان 1963 اصدر البابا يوحنا 23 رسالته العامة عن الأزمنة المعاصرة بعنوان "السلام على الأرض" ودعا الى تحقيق السلام لكل الشعوب على أساس الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية. وقد استقى منها المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) بعض المبادئ كما عاد اليها البابوات الذين أتوا من بعده.
لقد قلب هذا البابا طيب القلب المثل الروماني قائلا: "اذا أردت السلام فتهيأ للسلام"، أي لا للحرب.
منذ هذا الوقت وبالرغم من الحروب الماضية، نرى أن السلام شقّ طريقه، بفضل جهود كثيرة من اوروبا، هذه القارة التي دمرتها الحرب تعيش منذ سبعين سنة بسلام لم تعرفه من قبل. ولهذا السبب وللمرة الأولى منح المجتمع الأوروبي جائزة نوبل للسلام عام 2012 كمكافأة له وللتشجيع للمضي بالسلام الى الامام. هذا السلام والازدهار هو الذي يدفع آلاف الناس كل سنة من بلدان أخرى للوصول اليها معتبرا إياها "الفردوس المنشود" بالرغم من ان العديد منهم يموتون غرقا في البحار.
نأمل ان تتعلم بقية القارات من هذا الدرس وخصوصا منطقتنا الشرق أوسطية وتسعى لترسيخ السلام وتنجو من الحروب وتتقدم وتزدهر.
سيداتي، سادتي
اعتقد أن السلام في بلدي العراق وبلدان الشرق الأوسط لن يتحقق الا بتظافر جهود الجميع. ونحن المسيحيين نتحمل مسؤولية كبيرة في دفع عملية الحوار الى الأمام وبناء الجسور، وليس الانكفاء والتفرج أو الهجرة.
في الشرق، توجد ثقافات وديانات وأعراق متعددة يمكن استغلالها كدواء فعال للقضاء على الجهل والأمية والمرض والفقر والتطرف الظلامي والفساد والصراعات. هذه الأوبئة المتفشية لا يمكن القضاء عليها الا من خلال المعرفة والثقافة المنفتحة المستنيرة والتحليل والحوار.
ان الحروب كلها تنتهي بما كان يجب ان تبدأ به، أي الحوار. الحوار يساعد على التعرف على الأخر وحلّ المشاكل بطريقة حضارية لائقة بالناس.
ان العداء بين الدول الأوروبية في الماضي كان سببا في اقتراف ابشع المجازر، ولي الأمل اليوم ان يسير عندنا ما يبدو انه "السلام المستحيل" خطوة الى الامام في المستقبل القريب. وهذا يتحقق عندما تكون لدى المتخاصمين الإرادة الصالحة والشجاعة الكافية لتقديم تنازلات بسخاء للقبول بالحوار والحل السلمي السليم ولا يعتبر أحدهم الأخر خصما، بل أخا.
أتمنى ان يقنعنا "تنظيم الدولة الإسلامية: داعش" الذي قاد بلدنا الى حافة الهاوية وهجر الملايين واعتدى عليهم ومن بينهم العديد من المسيحيين وخرب مدنا، ان يشجعنا على تحقيق المصالحة والسلام. على الجميع ان يعوا بان العنف هو حريق، لا يمكن اطفاءه بسكب الزيت عليه، بل بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل ان تأتي النار على الكل.
ينبغي ان يسكن الذين يدعون الى الانتقام والثأر وان يهتدوا الى طريق المصالحة والغفران والسلام.. وعلى الأديان ان تلعب دورا مهما اذا ارادت ان تقدم شهادة صحيحة وصادقة ولائقة بالله خالق البشر جميعا.
ان السلام دخل في نفق وان المتطرفين الظلاميين كداعش لا يزالوا يحفرون هذا النفق عميقا وطويلا.. على الأديان تأوين خطابها ليتلاءم مع الحياة المعاصرة وهنا أدعو حكماء المسلمين ومثقفيهم للقيام بذلك كما قامت الكنيسة المسيحية. لا ينبغي ان نخاف من ان نطرح أسئلة جديدة سواء في الدين او المجتمع او السياسة والا فرض المتطرفون فكرهم وشوهوا كل شيء.
واليكم بعض الاقتراحات العملية:
1. صناعة الأسلحة هي "صناعة الموت" وتنشر الرعب والفقر والمرض والتخلف والقتل.. هذه الأسلحة تحتاج الى أسواق ثم الى الاستعمال.. هذا خراب وعمل غير أخلاقي. من اجل السلام لتتحول هذه المصانع الى مصانع أغذية وادوية والقضاء على الفقر والأمية. يؤسفني القول ان الغرب لا يفكر الا بمصالحه المادية الضيقة وليس بخير هذه البلدان المغلوبة على امرها ولا بتحقيق الديمقراطية والحرية والرفاه.
2. ثقافة الموت التي ينشدها المتطرفون – الارهابيون ترفض الحياة في كل مراحلها، انها كسرطان يسري في الجسم، لذا ينبغي تكاتف الجهود من اجل القضاء عليهم وتفكيك أيدولوجيتهم الجهنمية تماما.
3. على الغرب ان يعيد النظر بالعلمانية المتطرفة، عليه ان يحترم المبادئ الروحية والأخلاقية في الشأن العام. عليه العودة الى جذوره المسيحية والقيم الروحية والأخلاقية لتجد شعوبه مستقبلا مليئا بالرجاء والثقة. فالتهديد اعمق من المجاهدين الإسلاميين المتطرفين، الخطر هو في الثقافة النسبية relativism والفراغ الروحي الذي يشجع "الإسلاميين" الى ملئه.
4. لكي يعم السلام يجب إرساء علاقات إنسانية واخويه بين المواطنين في البلد الواحد وبين الشعوب، والالتزام بالحوار مع المختلفين للوصول الى رؤية واضحة ومشتركة للدفاع عن "كرامة الانسان" واحترامها. وحتى لو كانت لدينا افضل الدساتير واتفاقيات السلام ومن دون تغيير داخلنا والالتزام بها لن يكون ثمة سلام. السلام يتحقق اذا غيرنا قلبنا وفكرنا وعشنا في سلام مع انفسنا ومع الاخرين، آنذاك يتغير العالم وينبلج فجر جديد للبشر ومنهم نحن الشرقيون الرازحون تحت وطأة آلام قاسية.
الحياة قصيرة، ومن المؤسف أن نقضيها في النزاعات والمرارة، بل أن نعيشها بسلام ومحبة وفرح.
وبهذه المناسبة أود أن اختم بقول للمسيح في خطبته على الجبل: "طوبى لفاعلي السلام فانهم أبناء الله يدعون" (متى 5/9).