عودة للتاريخ القريب أوالبعيد والعلاقة بين إلإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية ، نرى أن التاريخ يخبرنا سيلان أنهار من الدم بين الجانبين ، وأغلب الأحيان كان العراق ساحة المعارك بينهما ، فعندما كانت الإمبراطورية الفارسية قوية كانت تحجم نفوذ الإمبراطورية العثمانية أو طردها من مناطق النفوذ والصراع وبالعكس ، فكلاهما أعداء تاريخياً ، والآن نرى تقارباً ملموسا ً بين الجانبين والزيارات المكوكية بين أقطاب النظامين ، ترمي إلى التعاون الحذر ظاهرياً ، ولكن يخفي الكثير من الإهداف الآنية والمستقبلية .
فملالي طهران بعد أنسحاب أميركا من العراق ، خلت لها الساحة لتصول وتجول بين العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى فلسطين ، أما تركيا فأرادت بدورها أن تلعب دوراً لها في العالم العربي بديلاً عن تلهفها للدخول إلى الإتحاد الأوروبي ، فكانت راعية رئيسية للإخوان المسلمين في مصر وبقية البلدان العربية وخاصة في سوريا ، ضد بشارالأسد ففتحت حدودها لدخول الإرهابيين إلى سوريا والعراق لتقويض الحكم الشيعي في كلا البلدين وكانت تشتري النفط المهرّب من قبل داعش والنصرة بأبخس الأثمان وتبيع لها السلاح وبقية أدوات القتل التي إحتاجت لها القاعدة سابقا ً وداعش والنصرة وبقية المنظات الإرهابية لاحقاً وعندما حدث الإنقلاب الأخير في تركيا ولم ينجح ، لأن أميركا دخلت على الخط وساعدت أردوغان للسيطرة على الوضع الأمني ، فزّج الألاف في السجون والمعتقلات وخاصة من الجيش والأمن وسلك التعليم وبقية مرافق الدولة .
وجدير بالذكرأن تركيا أسقطت المقاتلة الروسية بحجة دخولها المجال التركي ، وكان الرّد الروسي عنيفاً ، فكانت الطائرات الروسية تحلق فوق الحدود التركية السورية وهددت بإسقاط أية طائرة تركية تخترق الحدود السورية ، ومنعت روسيا السياحة إلى تركيا رداً على إسقاط مقاتلها ، مما اصاب الإقتصاد التركي بالشلل حيث يزور تركيا حوالي اربعة ملايين سائح روسي ، ومنعت الصادرات التركية إلى روسيا ، وكانت تركيا وعلى لسان رئيس وزرائها ورئيسها أردوغان ، رفضت الإعتذار لروسيا في حينها ، ولكن بعد الإنقلاب الفاشل ، ذهب أردوغان إلى روسيا واعتذر أمام وسائل الإعلام مع دفع تعويضات لروسيا مضطرّاً .
وكان هناك إجتماعا ً ثلاثيا ً بين روسيا وتركيا وإيران ، للتعاون والتنسيق ،سمحت بموجبه لروسيا لإستخدام المطارات الإيرانية ، وفعلاً إستخدمت روسيا المطارات الإيرانية لقصف اهداف في سوريا مؤخراً.
يستشف مما تقدّم أن اعداء الأمس يمكن أن يصبحوا أصدقاء اليوم حسب المصالح ، ولكن! لا صداقات دائمة ، بل مصالح دائمة حسب المتغيرات الإقليمية والدولية ، وكلا اللاعبين التركي والإيراني لهما ما يبرر تصرفهما ، حيث أن تركيا تراجعت عن الكثير من المواقف ، وخاصة موقفها من إسرائيل وتطبيع علاقاتها معها ، وخاصة في مجال التعاون العسكري والإقتصادي ، والآن لها علاقات جيدة مع إسرائيل عكس ما كانت تتبجح بها بالدفاع عن فلسطين ضد إسرائيل . وكذلك تخلّت عن موقفها في سوريا من بشار الأسد ، ولم تشترط تخليه عن الحكم في أية تسوية لإنتقال الحكم ، عكس ما كانت متشددة في إزاحته عن الحكم في الماضي .
والخلاصة : الحلف الروسي التركي الإيراني لن يدوم ، ولكن للدواعي الآنية والمصالح المشتركة قد يستمر التعاون إلى حين ينتهي كل فريق في تحقيق ما يصبوا إليه ، علماً بأن تركيا لا تستطيع المجازفة و التخلّي عن حلف الناتو وعلاقاتها الأمريكية الأوروبية الإقتصادية والعسكرية الستراتيجية بالتحالف مع روسيا وإيران ، وإن الحلف الأخير لا يعدو زوبعة في فنجان كما يقال ، وسنرى في قادم الأيام صحة ما ذهبنا إليه من عدمه ، وإن غداً لناظره قريب.