الجزء الأول .....
قد يكون من الصعب جدا الكتابة في موضوع يَغلُفُه الكثير من التَعتيّم المُتَعَمِد و التَكَتُم الشَديد و التَكميم المَفروض عُنوة مما يجعل الإعتماد على الإستنتاجات المنطقية سَبيلاً لابد منه لإلقاء بَصيصَاً من النور لرؤية جزء من الحقيقة ربما تكون مُشَوَشَة و لكنها تكون البداية لرؤية أوضح و أَكثر شمولية تكشف و لو القليل . إن الغموض الذي جَعَل من تنظيم داعش سراً حقيقياً منذ نشأتها الى الآن و الجهات التي تُحركها و التي تُمَوِلُها مَالياً و تَدعَمُها تَسليحِياً و تُسَوِقُها إِعلامِياً . يُثير الإستغراب الى الدرجة التي تجعل الشكوك تحوم حول قياداتها وتحركاتها و إنتصاراتها وصمودها و تمددها و تضع علامات تعجب كبيرة بحجم جرائم تنظيم داعش أَن لا أَحداً فكر مطلقاً بإثارة موضوع تسليح التنظيم بدءاً من حكومات الدول الــ ( 67 ) المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و بالتأكيد فإن الدوائر الإستخبارية و الأمنية الحكومية ليست معنية بكشف الحقائق بما يتناقض مع مصالحها و توجهاتها و كذلك لم تقم أي وسيلة إعلامية مُعتَبَرَة و خبيرة بالبحث والتقصي حول موضوع التسليح الذي هو عَصَب الحرب و سبب إستمرارها بين الدول أو حتى بين العصابات. وكذلك هناك صمت مطبق فيه من الريبة الشيئ الكثير حول ذات الموضوع من قبل المنظمات الإنسانية و الحقوقية في العالم التي لم تحرك ساكناً لتقصي الحقائق مما يمنح الحق للضحايا و النشطاء والمتابعين لهذا الشأن في إتهام هذه المنظمات بسبب صِمتها بالتواطئ مع من يُوَرِد السلاح الى داعش و التستر على جرائم ترتكب بحق الإنسانية .
لذلك يصبح الأمر معقداً جداً و لا بد من إستنتاجات تكشف القليل من الكثير المخفي ....
إن من المتعارف عليه أن كل الدول تَتَسَلَح بشكل أَصولي و علني نوعا ما للأسلحة التقليدية بكل أنواعها و من مصادر معروفة سلفاً و لا ضير في ذلك لان الدول لابد و أن تهتم بحماية حدودها و شعبها و تتم العملية بعقود رسمية و إتفاقيات موقَعة بين الدول أو الشركات و المصانع المنتجة للسلاح . و لكن الأمر مع تنظيم داعش يختلف كلياً فهو ليس دولة حقيقية كما المتعارف عليه و إِن تَمَدَد جغرافيا في مناطق كانت له فيها خلايا و حواضن شعبية مَكَنَته من إحتلال مساحات كبيرة في دول معروفة و أيظاً تنظيم داعش لا يمتلك مقومات دولة و بالتالي لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يُوَقِع إتفاقيات و صفقات توريد السلاح مما يجعله يضطر لأن يعتمد في ذلك على عمليات تهريب السلاح كما تفعل عصابات مافيا المخدرات و العصابات الإجرامية لأنها السبيل الوحيد المتوفر له و لأن التنظيم فعلاً يُصّنّف تحت بند العصابات الإرهابية .
و على إفتراض أن الدول عموماً و بشكل خاص منها دول التحالف الدولي غير مُتعاوِنة في توريد السلاح أَو تعمل على تضيق الخناق و لا تتساهل في عمليات وصول السلاح الى تنظيم داعش و لا تتستر على تفاصيل العمليات في هذا الشأن .... مما يُحَتِم على التنظيم بالتالي لغرض تأمين السلاح لحروبه الكثيرة أَن يعتمد على تُجار السلاح و يكون له سَماسِرة يُسَهِلون له العملية و يكونوا مُتخفين و مجهولين و هذا الأمر صعب أن يتحقق لهم و قد يكون هؤلاء عرضة للإعتقال في أي لحظة كونهم يتعاملون مع عصابة إرهابية و يؤمنون صفقات السلاح من الدول المنتجة للسلاح أو التي تتعامل بتجارة تهريب الأسلحة .... و على تنظيم داعش أيظاً أن يؤمن الطرق البرية فقط لنقل السلاح و هذه العملية لن تكون له سهلة على الإطلاق و سوف يعاني كثيراً كون الخيارات المتوفرة أمامه محدودة جداً جداً و مكشوفه في ذات الوقت و أيظاً لا يمكن له الإعتماد على النقل الجوي لأنه بالإساس غير متوفر لديه بالإضافة الى سيطرة قوات التحالف و بشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا على الأجواء في العراق و سوريا و كذلك عدم إمكانية الإعتماد على النقل البحري أيظاً حيث أن التنظيم يفتقر الى الموانئ البحرية و بالتالي يكون مُستبعداً و ربما مستحيلاً أَن يصل السلاح الى التنظيم جواً أَو بحراً و بالتأكيد يبقى الإعتماد على الطرق البرية المتوفرة لدية بما ترافقها من مشاكل و مصاعب جَمة بالإظافة الى أَن كمية الأَسلحة و أَنواعها تكون قليلة جدا و محدودة ولن تَفي بمتطلبات حروب تنظيم داعش الذي يحارب في عدة جبهات بمواجهة جيوش حقيقية لها إمكانيات و خبرات و تسليح دول من حيث الكميات والصنوف والأنواع بدءاً من الاسلحة الخفيفة الى المدفعية الثقيلة والمدرعات والدبابات عليه يكون الإعتماد في التسليح من خلال طرق و أَساليب العصابات فاشلة وغير مُجدية ولا تُحَقِق للتنظيم الإكتفاء بأي حال من الأحوال لإن التهريب يكون بكميات محدودة جداً و لأنواع معينة من السلاح والعتاد و بتباعد زمني كبير في ورود الأسلحة تفادياً لإمكانية أكتشاف الطرق و المسارات و الموردين . بالإظافة الى أَن مصانع الأسلحة مُلزمة بتقديم لوائح متكاملة و دقيقة لدوائر المخابرات و للحكومة في بلدانها تكشف فيها عن تعاملاتها بأَسماء الزبائن و أَنواع طلباتهم بكمياتها و بالمبالغ والتواريخ و بالتالي تكون العملية مكشوفة للدولة التي في حالة عدم تعاونها في تسليح تنظيم داعش فإنها مُلزمة إنسانياً و أخلاقياً و قانونياً بكشف و منع هذه العمليات.
من جانب آخر يجب التركز عليه و هو أن ليس من المعقول أَن كَدس عِتاد حربي هنا و كَدس آخر هناك يغنُمه تنظيم داعش يمنحه القدرة على محاربة جيوش دول لمدة تزيد عن الثلاث سنوات و لا يعاني خلالها من شحة العتاد الحربي لدى قواته بل أَنها مكتفية تماماً و بما يزيد عن حاجتها بما يُمَكِنها من الصمود و القتال كَراً و فَراً بل و إحتلال مدن على شاكلة محافظة نينوى بموصلها و سَهلِها و شِنكالها صعوداٍ الى تكريت و إن كان السلاح المستخدم في معارك الإحتلال المسرحية تلك فقط مَزامير سيارات البيك أَب و التي كانت تعلن جهاراً بِلَحنِها المُرعب عن وجود مؤامرة و طواطئ مخطط لهما مسبقاً بما لا يقبل الشك و لحاجة في نفس يعقوب ....!!!! إذن تبقى أَكداس العتاد مهما بلغت كميات الاسلحة فيها و التي يَغنِمُها التنظيم هنا أو هناك غير مجدية و لا تحقق القدرة التسليحية التي يحتاجها التنظيم للإستمرار في الحرب لأن من المُتعارف عليه أن الحرب لا تَكتَفي بِكَدس عتاد هنا و دبابة و مدفع هناك.....
إذن يمكن القول أَن تنظيم داعش لا يعتمد بأي شكل من الأشكال في تأمين السلاح لحروبه من خلال عمليات التهريب أَو ما يَغنِمُه منها لأَن الكميات و الانواع لا تفي بإحتياجاته الحقيقية .... رغم أن بعض معاركه يَحسُمها بمزامير السيارات ......!!!!!!!
إذن و بما لا يقبل الشك أَن هناك من يورد السلاح الى تنظيم داعش و هناك من يَتَسَتَر و يتكتم و ليس في ذلك إعلان سر خطير بل الخطورة قد تكمن في معرفة من يورد أو يسمح لأن تصل الأسلحة الى التنظيم و لابد أن تكون هناك جهات لها مصالح و أهداف ستراتيجية بعيدة المدى تُجَهِز التنظيم بالسلاح .. و أيظاً لحاجة في نفس يعقوب ....!!!! يتبع
26 / أيار / 2016