داعش منظمة إرهابية، لا علاقة لها بالدين أو الأخلاق أو الضمير، وهي تريد أن تقيم نظاماً لا يصلح حتى للحيوان، وفي مسعاها الإجرامي هذا لا تعتمد على قواها الذاتية، فحسب، كما تروج ويروجون لها، وإنما تعتمد بالأساس على الدعم الخارجي في التمويل، والتسليح، وفي ضخ الداعشيين الجدد إلى صفوفها، لإدامة زخمها، وتحقيق الأهداف التي وجدت من اجلها، وهذه الأهداف ببساطة، وكما يرصدها كل إنسان واع، حتى وان لم يكن سياسياً، تتلخص في تدمير الشعوب، والانتقال من عصر الدولة الوطنية، أو القومية، إلى عصر الدويلات وحروب الطوائف، للهيمنة على المنطقة التي يعتبرها أسيادها خلف الحدود، منطقة مصالح حيوية، لاحتكاراتهم الرأسمالية المعولمة، واسواقاً تابعة لها.
هذا كله مفهوم، ولا يمكن أن نستغربه أو أن نضعه في خانة المفاجأت غير المتوقعة، لكن ما يثير الاستغراب حقاً، هو مستوى الأداء الوظيفي الواطيء جداً، والابتعاد عن مصلحة الشعب والوطن بسنوات ضوئية! من قبل الذين أؤتمنوا على إدارة شؤون البلد، والمكلفين قانونيا وأخلاقيا في التصدي لهذه الكلاب السائبة، التي أمعنت في نهش الجسد العراقي وتمزيقه شرّ ممزق، لا التماهي مع طروحات ورغبات مخرج هذه المسرحية الشريرة.
أن المهاترات الإعلامية، والتصريحات الفنتازية التي تضج بها شاشات الفضائيات، ووسائل الأعلام المختلفة، وهذا الإصرار المرضي على التبشير بكل ما يفرق العراقيين، ويزيد من اختلافاتهم حتى في البديهيات، وبالتالي تكريس حالة العجز عن تقديم أي شيء نافع للعراق وشعبه، لا على صعيد التشريع ولا على صعيد التنفيذ، في وقت تحتل فيه "داعش" ثلث مساحة العراق، وتجاوزت إعداد النازحين الذين سرقت الأموال المرصودة لمساعدتهم، والتخفيف من معاناتهم، الثلاثة ملايين مواطن عراقي، تركوا كل شيء وراءهم، ونزحوا بحثاً عن ملاذات آمنة، لهم ولأطفالهم، ولحفظ حياتهم وكرامتهم الإنسانية.
عن ماذا نتحدث؟ عن الستة ملايين أمي، أم عن ملايين اليتامى والأرامل والثكالى؟ أم عن البطالة وثلث الشعب الذي يعيش تحت مستوى خط الفقر؟ أم عن مئات مليارات الدولارات المهدورة ظلماً وعدواناً، والمتسربة من خزينة الدولة إلى جيوب اللصوص والساسة الفاشلين؟ أم عن التغيير الديموغرافي في مناطق واسعة والشرخ الطائفي الذي سيظل نازفاً لسنوات طويلة؟
وهذا كله غيض من فيض مكارم السياسيين والمسؤولين، الذين امتهنوا النفاق والدجل، والمتاجرة بعواطف الناس البسطاء، ليقدموا اكبر خدمة لـ "داعش" ولسائر الإرهابيين، ولمن يحركهم من وراء ستار، فهل يختلف هؤلاء في المطاف الأخير عما يقوم به "داعش" من تخريب وتدمير للبشر وللحياة، ولكل شيء في عراقنا المنكوب بهؤلاء القادة الخرافيين.
احد الأسئلة التي تفقأ العين، هو هل يعقل أن الميزانية السنوية لبلد صغير هو الأردن لا تتجاوز السبعة مليارات دولار، ويعيش أهله أفضل منا بألف مرة، نحن الذين كانت ميزانيتنا خلال السنوات الماضية، تتراوح بين 130- 140 مليار دولار بالتمام والكمال؟
ماذا تنتظرون لتصحو ضمائركم؟ أن بقي شيء منها، أيها الداعشيون، سواء انتميتم لـ "داعش" فعلياً أم لم تنتموا؟!