في سالف العصر وقديم الزمان تراصفت جحافل القتل من وحوش آل عثمان سَرَجَت الخيول وحَدَت السيوف ورَفَعَت السنان زحفت تُسارع الخطى تحز الرقاب . وحوش تبقر البطون ويذبحون الجنين منتشين بنصر حقدهم الدفين .... قبل مائة من السنيين كانت هذه أفعال آل عثمان وما يزالوا في غيهم سائرون
مائة عام والعالم كان في سبات عميق عن مليون و خمسمائة ألف إنسان ذبحوا بدم بارد ومئات الآلاف هُجِروا من وطنهم قسراً ليس لسبب ، فقط لأنهم مسيحيين أرمن واليوم إستفاق العالم برمته.. قداسة البابا يصلي والإتحاد الأوربي يعترف و يعاقب والإدارة الأمريكية تؤكد بحذر وخجل والكنائس تدق نواقيسها إستذكاراً والفضائيات تحلل وتستضيف و نحن نتظاهر ونكتب وووو ....فجأة إستفاق العالم وتذكر أن شعباًً قد أُستبيحت أرضه وهُجِر و سُبيَت النساء وذبح الرجال... تذكر العالم وأيظاً شعر بالتقصير و بالذنب ..........
ولم يسأل أحدا مجرد تساؤل أين كان العالم كل هذه السنوات ولماذا اليوم هل لأنها الذكرى المئوية ... لا أعتقد فكل سنة هي ذكرى مؤلمة للشعب المسيحيي عموماً و الأرمني بشكل خاص . لكن الأمر لا يعدوا عن كونه إستخدام سياسي للمذبحة الأرمنية للضغط على الحكومة التركية المجرمة التي كان يجب أن يُضغط عليها من قبل سنوات كونها من الرعاة الأوائل للإرهاب في العالم ... وأصابعها القذرة تتدخل في شؤون الدول وتحرك عصاباتها هنا وهناك ...... لم يرتوي بعد أحفاد العثمانيين من الدماء المسيحيية واليوم يكملون ما بدأ به أجدادهم في مذابح الأرمن . بالأمس كانت الجريمة تركية التخطيط والتنفيذ والأدوات واليوم تركيا ضالعة بشكل كبير ومباشر في إبادة المسيحيين......... يومها أطبق العالم صامتاً وكأن الأمر لا يعنيه فقد كان منهمكاً بقتال وإحتلال.....
صمت الأمس البعيد و صمت اليوم شجع تركيا وغيرها للتخطيط لمذابح جديدة بأدوات مستحدثة وأفكار طائفية ودائما المذبوح هم نحن المسيحيين أصحاب الأرض والحضارة والعالم أيظا منهمك بقتال أيدلوجيات وإعادة ترتيب القوى والدول ... وما يزال العالم صامتاً ويقدم فقط حلولاً من بيانات إستنكار وتنديد وزيارات المسؤولين والسياسيين من صنف ( صورني وأني ما أدري ) وبرامج وأخبار التضامن الصوري وأيظاً عبوات حليب وعلبة إفطار الصائم !!!!! وبطانية اليونسيف وخيمة المنظمات الإنسانية وصولا الى كرفان الأمم المتحدة .... وبالتأكيد فإن الأجيال القادمة في الدول المتحضرة و بفضل منها سوف تستذكر مستقبلاً مناسبتين ، الأولى مرور مائتين عام على مذابح الأرمن و الثانية مرور مائة عام على الإبادة للمسيحيين العراقيين والسوريين ... أجيالهم تستذكر وتحتفل و أجيالنا لها أن تذرف من العين دمعتين ، دمعة للأرض المسلوبة ودمعة للغربة القاتلة .......
هل هذا هو دور الدول المتحضرة التي تقود العالم الآن في أن تسمح بإبادة الشعوب ليحتفلوا ويستذكروا أعمال الإبادة هذه التي تسببوا بها بعد مرور عشرات السنيين .... أم أنها ألاعيب السياسة القذرة التي يراق على مذبحها الدم البريء، أم هي المصالح التي تحكم العالم وتتحكم في مصائر الشعوب ومستقبل أجيالها . هي هذه وتلك ، ألاعيب أقوياء السياسة الذين يمسكون بكل خيوط اللعبة ومصالح التجار الذين يرون أن معاناة الشعوب تَدُرُ عليهم الأموال.......
التأريخ يعيد نفسه ........ بالأمس البعيد في الحرب العالمية الأولى كان الهدف من إطلاق يد العثمانيين قتلا وذبحا بالأرمن هو فتح جبهة جديدة لهم تستنزفهم مالا وعتادا ورجالا وهم يتنفسون حقدهم الأعمى ويعبرون عما في الصدور من ضغائن ضد الأرمن المسيحيين ، ليحققوا إنتصارات تتعاظم كلما إزداد عدد الضحايا الأبرياء .... وقد وجد فيها العثمانيين فرصة مواتية لأبادة شعب قبل أن يسقطوا في وحل الهزيمة ويدخلوا التأريخ وهم في مزبلته واليوم يطلقون يد الإرهابين و داعش المدعومة تجهيزاً و تسليحاً وتدريباً من قبل دوائر ومؤسسات وحكومات ليحاربوا من خلالها أيدلوجيات بذاتها تقلقهم وأفكار متطرفة ترعبهم وأيضا يعيدوا رسم الخرائط والحدود تصحيحاً لخطأهم السابق .
ونحن المتبقون اليوم مجرد بقايا قطرات دم نضحت من سيوف آل عثمان لن نقوى بعد أن نُنبِتَ على أرضنا حياة جديدة فالأمل في النفوس قد جَفَ و الرغبة من الروح قد تلاشت والمستقبل يرسمه لنا الآخرون بعد أن أصبحنا مجرد ورقة للمساومات صماء نتيجة ضعفنا الى الدرجة التي لم نتمكن من التوحد سياسياً وطائفياً .... نحن أضعف من أن نعترض على ما حل بنا من نكبة تتحول تدريجيا الى إبادة .... نحن أضعف من أن يكون لنا صوتاً واحداً وموفقاً موحداً ....وسنبقى كذلك متفرقين مذبوحين ...
بشار جرجيس حبش
عينكاوه 23 / نيسان / 2015