شروكي- صفوي- رافضي- هندي
أبشع ما نمر به الآن نحن أبناء الجنوب أن الذين يعيشون معنا في العراق صاروا يشككون بارتباطنا العريق بهذه الأرض، ووصلت بهم الوقاحة إلى اليوم الذي صاروا فيه ينكرون جذورنا السومرية والكلدانية والآشورية والبابلية والأكدية.
منذ زمن بعيد ونحن نتقلب بين نيران التكفير والتحقير والتصغير، ونتعرض للجلد بسياط الألسن الحاقدة. يستفزوننا من وقت لآخر بوخزاتهم التجريحية الظالمة. هذا يتهمنا بالصفوية، وذلك يصفنا بالرافضة، وأحياناً يضعوننا في خانة الهنود والزنوج والمجوس والعبيد. يتطاول علينا السفهاء. يسخر منا الأغبياء. ينابزنا الأقزام. لكننا نتجاهلهم في كل مرة، فنقول: (سلاما)، ونتغاضى عنهم حفاظا على وحدتنا، ونحرص أشد الحرص على تماسك حبات فسيفساء أرض الرافدين بألوانها الوطنية القلقة.
ثم هبت علينا رياح الطائفية المستوردة لتوقظ عفاريتها المختبئة منذ القرن الهجري الأول في تجاويف هذه الأرض، فاختفى الجنوبيون في مدننا الشمالية والغربية، وأخليت الأرض تماماً من أولادنا. حتى بات من المتعذر العثور عليهم هناك.
ثم جاءت موجة القتل على الهوية، وموجة التفجيرات العشوائية، والقتل الجماعي، فكانت مجزرة (سبايكر) من أبشع شواهد التطرف الطائفي بكل أبعاده اللاإنسانية، وما أن وصلت عصابات الدواعش إلى سهل نينوى حتى تعالت أصوات النفوس المشحونة بالحقد. فاشترك الموالون لهم في التعبير عن كراهيتهم لأبناء الجنوب، وانضم المثقفون والبرلمانيون إلى الجموع المعادية للجنوب.
فعلى الرغم من التركيبة العرقية غير المتجانسة للدواعش، صاروا هم الأقرب إلى هؤلاء، وهم المسموح لهم بذبح المسيحي، وقتل الأيزيدي، ونبش قبور الأنبياء، وتدمير إرثنا الحضاري، ونسف دورنا العبادية. صار الشيشاني والصومالي والبربري والأثيوبي أقرب منهم إلينا، وهكذا أصبح أبن البصرة وابن الناصرية وابن العمارة أدنى مرتبة في نظرهم من الباكستاني والأفغاني في جداولهم العنصرية. يزعمون أننا عبارة عن تجمعات هندية ومجوسية ورافضية وشروكية لا قيمة لها. قد ينكرون ذلك في العلن، لكنهم لا يعترفون بنا في سرهم، وفي مجالسهم الخاصة.
كانت هذه هي الحنظلة الصفراء، التي حاولنا هضمها على مدى قرون وقرون. لكننا لم نعد نحتمل طعمها المر المقرف، خصوصا بعدما تضخمت واتسعت، ونفثت سمومها تحت تراكمات التفرقة القبلية والطائفية والمناطقية.
لم نعد نحتمل الردود القاسية التي تلقيناها من بعض الكتاب المحسوبين على طبقة المثقفين، وكل القصة وما فيها. أننا كتبنا مقالة شجبنا فيها التفجيرات العدوانية الهمجية المتوحشة، التي استهدفت المواقع الأثرية في نينوى. فالدواعش مسموح لهم بارتكاب ما يشاءون من المجازر، أما الذي يعترض عليهم فهو في نظرهم أما أن يكون رافضياً، أو شروكياً، أو مجوسياً، أو هندياً جلبه محمد القاسم عند عودته من بلاد السند، أو من المعدان والمتخلفين.
هكذا هي المقاييس المحفورة في سجلاتهم، وهذا هو الطريق الصريح الذي انتهجه زعماء مشاريع التقسيم والتقطيع والتجزئة. ولا مجال لمناقشتهم البتة، لأنهم ركبوا العناد حصاناً جامحاً لخوض غمار هذه الفوضى الطائفية العارمة.
ختاما: مازلنا نؤمن بأننا أما أن نستمر في العيش كأخوة. أو الموت والفناء معاً كأغبياء. ومازلنا نؤمن أن العراق بلد الجميع، وأن الناس أحرار في دياناتهم، وفي اختياراتهم، وفي توجهاتهم، ولا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار ما يحمله من حب ووفاء لهذا البلد العظيم وشعبه.