الجزء الأوّل
بقلم نافع شابو البرواري
ونحن إذ نُسلّط الضوء على الجذور التاريخيّة لشعبنا (الكلدان السريان
الاشوريين )
للوصول الى تسميّة قوميّة لهويتنا التاريخيّة علينا أن نبحث في
التاريخ للشعوب التي عاشت في منطقة الهلال الخصيب والذين نحن شعب بين النهرين (بيث
نهرين) جزء لا يتجزأ من هذه الشعوب التي عاشت آلاف السنين في هذه المناطق
الجغرافية (الممتدّة من ارمينيا وآسيا الصغرى شمالا الى قلب الجزيرة العربيّة
واليمن والخليج العربي جنوبا وبلاد فارس شرقا ومصر والبحر الأبيض المتوسّط غربا) وكان
لها دوراً اساسياً في صنع الحضارات العالميّة ومركز انطلاق الديانات السماويّة
الى ما وراء حدودها الجغرافيّة، لابل الى
كل بقاع الأرض المسكونة .
لقد سبق الكثيرون من أخوتي( المختصّين في الدراسات التاريخيّة و
البحوث العلميّة والشهادات الآثاريّة) بما أتحفونا من دراسات تاريخيّة مستفيضة في
هذا المضمار وسلّطوا الضوء على هذه الحضارات التي خدمت الأنسانيّة( ولا تزال)
بالرغم من انزواء هذه الحضارات وأنكفائها وانكماشها وضمورها لا بل هناك اليوم من
يريد تهميش دورها والقضاء عليها ومسح ذاكرة الشعوب التي لا تزال تتكلّم بلغة تلك
الحضارات المتجذّرة في القدم وهي السريانيّة بفرعيها الغربي والشرقي ، انّني لست
مختصّا بالدراسات التاريخيّة ولا مختصاً باللغات الشرقيّة ولكنني كقاريء أُقدّم
وبتواضع ما قراته من الكتب والمقالات والدراسات المختصّة في شؤون اللغة السريانيّة
وآدابها وثقافاتها وتاريخها وحضارتها عسى ولعل أن أساهم (ولو بقليل) في تسليط
الضوء في الجذور( السريانيّة الآراميّة )لكي نساهم جميعنا في التوصّل الى التسميّة
القوميّة لهويّتنا نحن (الكلدان السريان الآشوريّين) وغايتي هي أن اساهم ولو بقليل
مع اخوتي الذين سبقوني في بحوثهم الرائعة
في هذا المضمار للوصول الى التسميّة المنشودة لولادة جديدة واسم جديد كما
جاء ذلك في أحدى المقالات لصديقي وعزيز على قلبي وهو الشماس مسعود النوفلي. وقد
سبقني باقتراحه أن يكون الأسم"سورايي مَذنحايي" وقد كتبت أنا أيضا مقالة بعنوان " أيّها
الأخوة (الكلدان السريان الآشوريّين) ماهي
هويّتنا الحقيقيّة؟" اقترحتُ أن يكون التسميّة "سورايي " ولتسليط
المزيد من الضوء على هذه التسميّة سنبحث عن الجذور التاريخيّة للتسميّة(سورايي )
لكي تتوضّح الصورة اكثر فأكثر لدى القارئ العزيز .
كان الآراميّيون قديما قبائلا كثيرة العدد منتشرة في كل أنحاء (اراميا
التاريخيّة القديمة- أي ما يطلق عليه اليوم الهلال الخصيب) وأول مرة ذكر فيها أسم
الاراميّين في المدونات التاريخيّة كان
سنة 2300
ق.م في جنوب العراق . وبعد حوالي 1500 ق.م بدأوا يؤسّسون مئات الدول
والممالك والأمارات في أنحاء منطقة الهلال الخصيب , أي( اراميا) , فوحّدوا هذه المنطقة بعنصرهم الآرامي , ولغتهم
الآراميّة السهلة , وبحضارتهم وثقافتهم ...الخ.
اللغة السريانيّة.
يقول المستشرق سيباستيان
بروك( وهو عالم متخصص في اللغات القديمة الشرقية):
"ما ان وافى القرن السابع ق.م .حتى بدأت الآراميّة تحل محل
الأكديّة , باعتبارها لغة التواصل الرئيسيّة في الشرق الأوسط .وظلّت لغة الثقافة
السائدة في المنطقة حتى القرن السابع الميلادي , حين أخذت تُسلّم الزمام للعربيّة.
ولقد شهدت هذه المدّة ,التي امتدّت أكثر من ألف عام , مولد عدد من المجموعات
الأدبيّة الكبرى بالآراميّة .ولا يزال العديد من الجماعات الآراميّة على قيد
الحياة في مجتمعات باقيّة حتى اليوم... بيد أنّ الألف الأول بعد الميلاد شهد
الأزدهار العظيم للآداب الآراميّة . وكانت الآراميّة انذاك قد انقسمت الى عدّة
لهجات مختلفة , كان لكثير منها خط (واسم) خاص بها ......وهكذا يمكن اليوم قراءة
مصنّفات أربعة متميّزة من الأدب الآرامي: المجموعة اليهوديّة (الاراميّة
اليهوديّة).
والمجموعة السامريّة (الآراميّة السامريّة).
والمجموعة المسيحيّة (بالسريانيّة أي اللهجة الآراميّة الخاصة
بالرُّها أي أورفا).
والمجموعة المندائيّة(الصابئة).
( ولا أريد أن أخوض في تفاصيل هذه المصنّفات لّلغات الآراميّة) ،
ولا شك أنّ الأدب السرياني هو أوسع هذه الآداب نطاقا بما لا يقاس(أي
المجموعة المسيحيّة - السريانيّة) بل وأطولها عمراً لأنّه الوحيد بينها الذي لا
يزال يُستخدم بنشاط."
انّ الاراميّة القديمة ظهرت شمال سوريا وتغلغلت في المناطق الأشوريّة
ثمّ تبنتها الأمبراطوريّة الآشوريّة (1100ق.م -612 ) . ثبّتت الدولة( الآشورية)
اللغة الآراميّة وأصبح المشرفون على الشؤون الأدارية يتقنونها أكثر من الأكديّة
وقد انتشرت الآراميّة الرسميّة انتشارا واسعا في العهد الآشوري ,وليس في
الأمبراطوريّة الآشورية فحسب (2ملوك : 37- 18:13 ) ، بل في الأقطار الأخرى أيضا من
الشمال من اسيا الصغرى الى الجزيرة العربيّة وظلّت الأراميّة تشغل مكانتها
المرموقة في العهد البابلي الحديث ( 626 - 538 ق.م) وفي العهد الفارسي(538-330)ق.م
، كما قلنا كان السريان قديما يتسمّون بالاراميين.لكن قبل الميلاد ببضعة قرون
بدأوا يتسمّون بالاراميين السريان.وهناك نظريات عن هذه التسميّة يقول الأب لويس
ساكو ص 38 من كتاب ينابيع سريانيّة:
السريان أنفسهم ورثة الآراميين مباشرة والتسمية الحاليّة
(السريان) قد تاتي من سورية موطنهم الأصلي أو من أسوريا "أشور موطن الآراميين
"أو من أسروينا , الأسم القديم للرها.غير أنّ هذه التسميّة ليست ذات أهميّة
,فالأهم هو أنّ السريانيّة شملت كلَّ الناطقين بها من كلدان واشوريّين وسريان
وموارنة ، وهي لا تقتصر على قبيلة معيّنة أو طائفة أو فرع.
ونحن وبموجب الأبحاث الجديدة والتقارير التي نقرأها من قبل اخوتنا
الباحثين في المواقع المسيحيّة( واخرها
مقالة الدكتور اسعد صوما بعنوان "اشور وسوريا وسريان") نرجح التسميّة
نسبة الى الاشوريين حيث كانت سوريا خاضعة للأمبراطوريّة الآشوريّة والتسميّة جاءت
من اليونانيين ولكن لايعني هذا أبدا أنّ سوريا كان شعبها آشوري بل كان في الغالب
من الآراميين الذين تحوّل اسمهم بالتدريج الى السريانيين نسبة للتسميّة الغربيّة ،
ومعلوم أنّ الأمبراطوريّة الآشورية كانت تحكم شعوبا أكثر من حجمها بكثير (هذا ما
قراته منذ سنين عن المؤرخ ارنولد توينبي في كتابه تاريخ البشريّة الجزء الأول).
كان السريان قديما يتسمّون بالاراميين. لكن قبل الميلاد ببضعة قرون
بدأوا يتسمّون بالاراميين السريان .وشاعت تسميّة سريان بينهم بعد اعتناقهم الديانة
المسيحيّة ، وتسمية سريان أطلقها اليونانيّون عليهم. وبهذا الصدد يقول المؤرخ
اليوناني
ق.م- 2463(Strabo )
"انّ هؤلاءالذين يطلق عليهم اليونانيون أسم السريان فأنّهم يسمون
انفسهم بالآراميين" وهكذا نستنتج أنّ التسميّة السريانيّة بدأت قبل الميلاد
الى أن طغت التسميّة السريانيّة على الآراميّة وهذا يعني الكثير بالنسبة لنا
فعندما يقول البعض أنّ السريان لم يطلق عليهم هذا الأسم قبل الميلاد ليس صحيحا ،
أستمرّت التسميّة الآراميّة والسريانيّة تطلقان على الشعب الارامي بشكل مرادف
لغاية القرن الثالث عشر الى أن أنفردت تسميّة سريان واحتجبت تسميّة آراميين عن
الأستعمال .
جاء في موسعة- ويكيبيديا الموسوعة الحرّة مايلي:
" اللغة السريانيّة(وتُنطق سوريويو) لغة شرق اراميّة يتحدّثها
الناس في الهلال الخصيب. بالمعنى العام ، السريانيّة هي كل اللغات الشرق آراميا
التي تتحدّثها جماعات مسيحيّة ، لكن بالمعنى المفصّل السريانيّة هي لغة مدينة الرها
الكلاسيكيّة التي صارت اللغة الليتورجيّة للمسيحيّة السريانيّة . تُكتب اللغة
السريانيّة بالأبجديّة السريانيّة . وهي أصل الكتابة العربيّة قبل أن تُنقّط .
وعدد حروف اللغة السريانيّة أثنان وعشرون حرفا وهي تُجمع في خمس كلمات : أبجد هوّز
حطي كلمن سعفص قرشت. أما حروف العلّة الصغيرة والتي تُسمّى بالحركات الأعرابيّة
فهي تختلف في
عددها في اللهجات السريانيّة.
وتنتمي السريانيّة والعربيّة والعبريّة الى العائلة اللغويّة الساميّة لكن
العربيّة هي الأحدث بين الثلاث. وتشترك السريانيّة والعربيّة بكثير من الأمور فنجد
جذور الكثير من المفردات هي نفسها لابل نجد ايضا مفردات سريانيّة في اللغة
العربيّة واللغة العبريّة. اللغة السريانيّة كانت لهجة اراميّة في شمال بلاد
الرافدين .قبل تغلُّب اللغة العربيّة ، وكانت السريانيّة اللغة الغالبة بين
المعاشر المسيحيّة في الشرق الأوسط واسيا الوسطى وجنوب الهند .الآن معاشر صغيرة
متفرّقة تتحدّث السريانيّة في سوريا وتركيا والعراق وايران وارمينيا وجورجيا
واذربيجان ، وقد تفرّقت معاشر أكثر في جميع أنحاء الشرق الأوسط واوروبا واستراليا
والأمريكيتين" ، ولكن لنا ملاحظة عن التسميّة سورويا الوارد في الموسوعة أعلاه
وهي:
أنّ السريانيّة(كلغة) تنقسم الى سريانيّة غربيّة وسريانيّة شرقيّة حسب
الموقع الجغرافي شرق نهر الفرات وغربها(وهناك من يقول حسب المنطقة الجغرافيّة
التابعة للأمبراطوريّة الفارسيّة شرقا والأمبراطوريّة البيزنطينيّة غربا) فالذين
غرب
الفرات يسمّون (سوريويو ) وشرقها يسمّون (سورايي) ويتكلّمون (سورث ) وهم "الكلدان السريان
الآشوريّين".
والحقيقة كلمة"سورايي" تتضمّن معنيين لأسم واحد، معنى ديني
ومعنى لغوي
فعندما نريد أن نتعرّف على شخص مسيحي من المناطق الشماليّة للعراق
وشمال شرق سوريا، من هو؟ فيقول انا سورايا وهذا يعني عندنا أنّه مسيحي (مشيحايا)
ويتكّلم (السورث) أي سورايا.
السورث وهي(لهجة) مشتقّة من
السريانيّة الآراميّة الشرقيّة ، تتكلّم بها الجماعات المسيحيّة القاطنين في جبال
كُردستان والقرى المسيحيّة الواقعة في شمال العراق (سهل نينوى) وشمال شرق سوريا
وعلى الضفاف الشرقيّة من بحيرة أورمية وجبال طور عابدين ، وهي لا تَزال تُحكى في
المهجر (أمريكا واوربا واستراليا ..وو) اذ لم يتخلّى عنها أصحابها ، الا أنّه طرأ
عليها (السورث )على غرار الآراميّة الغربيّة الباقيّة الى الآن تغيير كبير في
اللفظ وتأثّرت بالظروف واللغات المجاورة
كالعربيّة والتركيّة والفارسيّة والكردية .
ويقول الأب لويس ساكو في صدد تصنيف اللهجتين الشرقيّة والغربيّة
للسريانيّة فيقول في تقرير منشور في نفس الكتاب أعلاه صفحة 37 :
"لم تكن الآراميّة لغة فحسب بل كانت مجموعة لغويّة غنيّة
بلهجاتها المتعدّدة .فهناك لهجة شرقيّة , هي لهجة حرّان والرها ونصيبين والموصل ,
ولهجة غربيّة وهي لهجة بابل التي بها كُتب التلمود المعروف ب"التلمود البابلي
" وغدت لغة اليهود أيّام السبي ولغة الجليل ايّام المسيح(كان يتكلّم بهاالرب
يسوع المسيح وقد وردت كلمات كثيرة بهذه اللهجة في العهد الجديد لامجال لذكرها
الان).وتَكاد تكون هذه اللهجة تلك التي يتكلّم بها أهل معلولة في سورية."
جاء في كتاب "ينابع سريانيّة" أيضا صفحة 493 ما يلي:
لقد بنى الآراميُّون
السريانيّة لغة ً آراميّة حديثة وأتقنوا البنيان : فكتبوا بها الروائع ليواجهوا
المدّ اليوناني المستعمر وهم يحافظون على هويّتهم ودورهم بعبقرية .
لقد أختلفوا في أمور عدّة فتفرقوا كنائس وتيّارات وأثنيّات أكانوا
اشورييّن أو ارامّيين أو كنعانيين أو
كلدانا أو موارنة. وأنتشرت لغتهم في المحيط الواسع فعمّت
بلاد الآراميّين(يقصد الكلدان والآشوريّين والسريان) والفرس والأرمن
والعرب ,فنقل هؤلاء روائعها الى لغاتهم
بأمانة واعتزاز.
ويقول العلامة الخوري بولس
فغالي في مقالة له في نفس الكتاب :
"كلِّ لغة غنى , وقد يصير هذا الغنى فقراَ ان هو انغلق على نفسه
.واللغة السريانيّة التي أساسها الآراميّة(التي فرضت نفسها في زمن الفرس من الهند
حتّى جنوب مصر )، تعلم من أين جاءها الغنى
بداَ بحكمة احيقار حتى التقاليد اليهودية
التي دوّنت في التلمود وفي
التراجيم .
السريانيّة لغة غنيّة , مرنة,تستطيع أن تأخذ من غيرها وتعطي . ثم
أنّها كانت جسرا فرض نفسه في العبور الى
العربيّة , لآداب جاءت من الهند وفارس , وخصوصا من اليونان .هذه اللغة عرفت العالم
اليوناني , الوثني منه والمسيحي , منذ هوميروس مرورا بأرسطو والفلاسفة , وصولا الى
أباء الكنيسة وهم مؤرخون ولاهوتيّون ومتصوّفون ".
الخلاصة
1-على ضوء ما جاء اعلاه لايمكن أن نعلم بأن هويتنا القوميّة هل هي
كلدانيّة او اشوريّة أو سريانيّة الا بالأستناد على (اللغة الواحدة والتاريخ
الواحد والتراث الواحد والوطن الواحد والذاكرة الواحدة والهدف الواحد والدين
الواحد) وهي اساس يمكن أن نستند اليه( كقوميّة واحدة وهويّة واحدة) وذلك لأنّ
هويّة القوميات الكلدانيّة والسريانيّة والآشوريّة قد ذابت في بودقة واحدة أصبحت اليوم تسمّى (سورايي) ويتكلمون
بلغة(السورث).
2-هذه الهويّة الجديدة والقديمة(سورايي) والمشتقّة من اللغة
السريانيّة يجب أن نعتز بها كلغة أبائنا واجدادنا
ومن خلالها انتشرت المسيحيّة شرقا الى الصين والهند وغربا الى أوربا وشمالا
الى روسيا وجنوبا الى اليمن والجزيرة العربيّة والخليج العربي ومن خلالها يعرفنا
العالم حيث كانت لغة الشرق الأوسط الكبير عبر مئات السنين.
3-عندما نقول اليوم الوطن العربي
فنعني به جميع الشعوب التي تتكلّم اللغة العربيّة
فيعني ذلك ان جميع هذه الشعوب هم من قوميّة واحدة هي القوميّة
العربيّة لأنّهم يتكلمون باللغة العربيّة, ومنهم الكثيرين من المسيحيّين (العرب
والمستعربين) بينما نحن المتكلّمين بلغة (السورث)(سورايي) نستطيع أن نقول نحن لنا
هويّة خصوصيّة اذ نحن لنا قوميّة غير العربيّة بالرغم من أننا نعيش في ما يسمّى
بالوطن العربي أو نعيش في كردستان (أي بين القوميّة الكرديّة).
4- هذا لا يعني أنّ أي واحدٍ من عندنا نحن الكلدان والاشوريين
والسريان لا نعتز بأنفسنا كوننا ننحدر من الكلدانيين أو السريانيين (الآراميين) أو
من الآشوريين ولنا لهجاتنا المختلفة نوعا
ما ولنا خصوصيات اخرى وهذا شيئ طبيعي يجب أن نفتخر به ولكن ، المصلحة العليا تتطلب
أن يكون لنا تسميّة قوميّة(سورايي) مستندين الى شروط القوميّة الأساسيّة وهي اللغة
والدين المشترك والتراث المشترك والهدف المشترك كما هي الحال في معظم دول العالم.