مسيحيّو الأراضي المقدّسة يواجهون تحدّيات متعدّدة تؤثّر في حياتهم اليوميّة | مصدر الصورة: مارينيلا بانديني/ وكالة الأنباء الكاثوليكيّة
عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بقلم: سند ساحلية
القدس, السبت 12 أبريل، 2025
فيما تشهد المدينة المقدّسة توتّرًا دينيًّا متصاعدًا، أصدر مركز روسينغ للتعليم والحوار ومركز توثيق الحرّية الدينيّة تقريرَين جديدين يُظهران ارتفاعًا غير مسبوق في الهجمات والمضايقات ضدّ المسيحيّين في إسرائيل والقدس الشرقيّة، بلغت 111 حادثة موثّقة في عام 2024 وحده.
وبحسب التقريرَين، فإنّ الاعتداءات الجسديّة، خصوصًا البصق، كانت الشكل الأكثر شيوعًا للمضايقة، واستهدفت غالبًا رجال دين مسيحيّين، بمن فيهم كهنة ورهبان وراهبات يَسهُل التعرّف إليهم من ملابسهم الدينيّة. كذلك، شملت الحوادث أعمال تخريب طالت كنائس وأديرة، مثل تمزيق ملصقات دينيّة، ورشق الحجارة، وحتّى حالات حرقٍ متعمّدة.
وفي الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2025 وحدها، وُثِّقت 41 حادثة تضمّنت حالات تحرّش، أكثر من نصفها وقَعَ داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. وتوزّعت الاعتداءات بين البصق (26 حالة)، والإساءة اللفظيّة، والتخريب، والاعتداء الجسديّ، بل وحتّى محاولات خنق في بعض الحالات. ورُفعت عشر شكاوى رسميّة إلى الشرطة الإسرائيليّة، غير أنّ معظمها لم يُفضِ إلى نتائج ملموسة، ما يثير مخاوف من غياب الردع الرسميّ.
وأشارت المعطيات إلى أنّ منفّذي هذه الهجمات هم في غالبيّتهم من الشباب اليهود المتشدّدين المنتمين إلى تيّارات دينيّة قوميّة متطرّفة، ومنهم مَن شارك في مواكب دينيّة يهوديّة شهدت عشرات حالات البصق على رجال دين ومواكب مسيحيّة.
كما يورِد تقرير روسينغ أنّ 48% من الشباب المسيحيّين تحت سنّ الثلاثين عبّروا عن رغبتهم في مغادرة الأرض المقدّسة، لأسباب تعود إلى العنف الداخليّ في المجتمع العربيّ، إضافة إلى المضايقات الدينيّة والتدهور السياسيّ.
ونشر موقع الفاتيكان الإخباريّ خبرًا اعتبر فيه هذه الاعتداءات جزءًا من «التهويد» المتعمّد والتدريجيّ للقدس والأرض المقدّسة، منتقدًا ما وصفه بأنّه «تراجع في قيم الكرامة والحرّية الدينيّة بعد سنّ القانون الأساسيّ الإسرائيليّ لعام 2018 الذي يُعرّف الدولة بأنّها وطن قوميّ للشعب اليهوديّ»، ومعتبرًا أنّ «هذا القانون يُشكّل انحرافًا عن مبدأ الشموليّة الذي نصّ عليه قانون 1992».
من جهة أخرى، أشار مركز توثيق الحرّية الدينيّة إلى ضرورة تعزيز التعاون بين السلطات المسيحيّة والمنظّمات الحقوقيّة، وتكثيف الوجود الميدانيّ لمتطوّعي الخطّ الساخن، خصوصًا في الفترات الحسّاسة كالأعياد. وطالب بتثبيت كاميرات مراقبة في نقاط الاحتكاك الدائمة، مثل باب الخليل وطريق الآلام وشارع البطريركيّة الأرمنيّة، لضمان التوثيق والمحاسبة.
كما تُواجه المؤسّسات المسيحيّة تحدّيات أخرى، بينها فرض ضرائب إسرائيليّة على المدارس والمراكز الاجتماعيّة التابعة للكنائس، فيما تُمنَح إعفاءات لدور العبادة فقط. ويخوض بعضها، مثل حراسة الأراضي المقدّسة، نزاعات قانونيّة مع بلديّات محلّية.
ومع اقتراب الاحتفالات بعيد الفصح، يتخوّف ناشطون من تصاعد التوتّر، خصوصًا بسبب مواصلة الحكومة الإسرائيليّة الترويج لبناء مستوطنات جديدة في القدس الشرقيّة، وتعزيز الطابع الدينيّ القوميّ في سياساتها، ما يجعل الوجود المسيحيّ في المدينة أمام تحدٍّ وجوديّ.
ويُذكر أنّ مركز روسينغ الذي تأسّس عام 2006، سُمِّي على اسم دانيال روسينغ، المسؤول الحكوميّ الإسرائيليّ المعروف بجهوده في تعزيز الحوار والتفاهم بين الديانات الإبراهيميّة الثلاث على مدار ما يقرب من أربعين عامًا.