كما هو معلوم أن الوزنة الكهنوتية التي وهبها الله لمن يشاء هي وزنة تدعونا إلى التأمل وخاصة في يومنا هذا. وربما السؤال يكمن بالقول: هل أن وزنة اليوم تساوي وزنة الأمس؟ وهل رسالة اليوم هي رسالة الأمس؟ وهل المدعو لتحمّلها والمتاجرة بها يكون أميناً لها أم لا؟ وهل فعلاً نحن مدعوون إلى المتاجرة بهذه الوزنة أم بشيء آخر؟ هل الإنسانية بدأت تتراجع في هذه السنوات؟ وهل نؤمن أن الوزنة هي دعوة الله لنا والذي اختارنا وكما نقول بقوة الروح القدس؟ وهي أن نتقبّل نظرة الله والتي تُلقى على كل منا وعلى إخوتنا البشر، وهي تتجلى من خلال إله متأنس مات أبشع ميتة في سبيل خلاصنا، فهو رمز الحب اللامتناهي والذي أحبنا به، وما ذلك إلا دليل قدرة الله المحدودة. ومن حبّه أعطانا وزنة الإنجيل، إنه يسوع، هو لنا ولكل البشر، وهذه الدعوة هي عمل الله من خلال ابنه الذي مات من أجلنا وقام منتصراً على الخطيئة.
ما أعسر المسير على طريق الحياة، عبر طريق الإنجيل، عندما نتجه صعداً شطر القمم إذا ما تركت الأثقال والأحمال، وما أسخفنا عندما لا نعود نعير انتباهاً لما يعرقل تقدمنا فنرضى به راضخين بل أحياناً إذ نقابَل بالسؤال والتحدي ترانا مع الأسف نفاخر بها وكأنه من ضعفنا ونعتبره جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا وتاريخنا ومصيرنا وسؤالنا. فنحن اليوم نعيش تحدياً كبيراً غير تحدي الأمس، فهل شاب اليوم أو الذي نال وزنة الكهنوت والكبار هو نفس شاب الأمس وبما يملك من نِعَم؟ وهل يعتبر ذلك مُلكَه؟ هل يعكس عبر ذلك حب الله للبشر بذهايه ومجيئه وانتقاله من بلد إلى آخر ومن عاصمة إلى أخرى ولا يعرف أي شيء من رسالته سوى الصور والفيسبوك والعزائم والحاسوب و... و... أموراً أخرى كثيرة؟ ومار بولس يدعو الجميع مناشداً إياهم قائلاً:"فليكن فيما بينكم الشعور الذي هو أيضاً في المسيح يسوع وهو في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة بل تجرّد من ذاته متخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي 5:2-8).
وهذه تكون شهادته في أن يكون أميناً لرسالته اليوم وخاصة في هذا الزمن القاسي والذي يُزلق كثيراً من المدعوين عن دعواتهم وحمل رسالتهم والمتاجرة بوزناتهم، بل يجعلوا كل شيء ذهابَهم وإيابَهم من صنعهم وليس من طلب الله ولا يفكرون بالله بل يعتبرون أنفسهم إلهاً ويتصرفون كما يحلو لهم، كما يقول لوقا الإنجيلي:"ألم يقل الكتاب أنكم آلهة" (يو34:10) وذلك عبر نقاش المسيح مع اليهود، فالثقة برسالتهم المقدسة تجعلهم أن يعلنوا بشارة يسوع وليس بشارتهم، وبشارة يسوع مملوءة رحمة وحناناً ومحبة لا متناهية تجاه المدعو المخلص وحامل الرسالة السماوية، وعليه أن يعتبر أن الإنجيل لم يتبدل وكذلك المسيح ولكن ربما كيفية العمل به والحياة معه تغيرت بسبب ظروف الحياة والتقدم العلمي والتكنولوجيا، فالإنجيل هو هو والمسيح "هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عبر8:13) يقول مار بولس. فإذا كان أميناً، عليه أن يكون له ثقة بما يقوم به من أجل اسم يسوع وليس ثقة بنفسه فيعتبر نفسه هو كل شيء.
مشكلة الكهنوت والكبار من القضايا التي تطالعنا بها الأحداث وهي متعددة الوجوه وتنبع من أصول الإنسان الذي أعطى نفسه لرب السماء وللرسالة السماوية، والكثير أرادوا منه ولا زالوا نموذجاً حياً ومثالاً دائماً وليس هوائياً، أي ما يهواه. وعالم اليوم الذي نعيش فيه لا يفتش إلا عن مصالحه وأهوائه وعن الإنسان الذي يستطيع أن يعمل مصالحه وينسى بذلك المسيح الذي هو بوصلة وعليها يرسم حقيقة حياته ومسارها ولا يفتش عن إنسان فقط أو عن أصدقائه بل عن كل إنسان فهو صديق الكل وليس البعض، فهو للكل ليربح الكل وليس ليخسر الكل (1كو 22:9).
فالمدعو حصل على وزنة من الرب يجب أن يكون أميناً لها ويتاجر بها ويربح أضعافاً منها، فالمدعو يقول "الحياة لي هي المسيح وليست لي، والموت ربح" (فيلبي 21:1) ولا شيء آخر. .. (وإلى الحلقة الثانية)