بين
الثورة والغربة والحزن واللوعة والمرأة والتحدي والرفض واللهفة والحب الشفيف مثل
الحلم تارة والمجنون مثل مهرة جامحة تارة اخرى والحنين الممض الى (دجلة الخير)
تشكلت سمات شخصية (شاعر العرب الاكبر) محمد مهدي الجواهري، عملاق الشعر وعموده
الذي أحس باعمدة منزله تتهاوى واحداً أثر الآخر وهو يفقد احباءه واحدا اثر الاخر ،
واصفاً رحيل زوجته الثانية وهو في التسعين بـ(سقوط سقف البيت).
تاريخ
ثر من الفكر والثورة والمكابرة والرفض والابداع والمعاناة ونزيف الغربة المتواصل
الذي كان ينهمر مثل زخات المطر المتواصل بأعماقه ويغلف معظم قصائده بالحزن واللوعة
معا، توقفنا في محطاته.. وقلبنا بعضاً من اوراقه لنشم ضوع انسان انسان هزم التحدي
وصارع الغربة والشوق والمعاناة ولهفة القلب المشدود بخيط الحنين الى بغداد والى
(دجلة الخير) بالذات، لكنه وهو الذي حارب على كل الجبهات بشفافية الكلمه وبرهافة
المعنى وبرشاقة القصيدة الوالهة المقاتله انهزم في صراعه مع الغربة و الموت
ليحتضنه ثرى (دمشق) بعد ان ترجل عن صهوة مهرته الجامحه.
في
حوار ثر متعدد الاتجاهات مع الزميل والصديق و الذي سبق ان جمعنا عملنا الصحفي
المشترك ونحن نترسم خطواتنا الاولى في بلاط صاحبة الجلاله قبل نحو اربعين عاما
ونطبع اولى بصماتنا الصحفيه على صفحات مجلة الفكاهة مع نخبة خيره من الزملاء الشباب
الرائعين انذاك الاستاذ (رواء الجصاني) مؤسس مركز الجواهري الثقافي في براغ ومديره
استقلينا (سفينة الذكريات) وتوقفنا في أبرز الموانئ المتعلقة بسيرة وحياة وصراع
(شاعر العرب الاكبر) بالاخص وانه رافقه لاكثر من عشرين عاماً.. وكان شاهداً اميناً
على الظروف والاحداث التي مر بها الجواهري وكان هذا الحوار:
مال
اللــه فــرج
*متى تأسس مركز الجواهري
الثقافي؟ وما أبرز اهدافه؟
-بعد
رحيل الجواهري عام 1997، برزت الحاجة لتوثيق ابداعاته ومنجزاته الفكرية والثقافية،
وبدأت مجموعة من أصدقاء الجواهري ومحبيه التباحث في كيفية الحفاظ على تراثه
الانساني، وبعد انشطة ثقافية حول الجواهري هنا وهناك.. تبلورت الفكرة لدينا عام
2002 وبادرنا بتأسيس منظمة مدنية باسم (مركز الجواهري الثقافي في براغ) بحكم كون
الجواهري عاش في براغ لمدة ثلاثة عقود منذ 1961-1991، ونظم خلال تلك الفترة نحو
خمسين قصيدة، لعل من أبرزها كما هو معروف (دجلة الخير) و(قلبي لكوردستان) وفي رثاء
الزعيم العربي جمال عبدالناصر و(المتنبي فتى الفتيان) كلها كانت من قاعدة عطاء
الجواهري في براغ على سبيل المثال.
اضافة
لذلك وبحكم القرابة الوثيقة معه (وهو خالي كما تعرفون) كنت معنياً ومكلفاً
ومسؤولاً عن اقامته وعمله ونشاطاته وتحركاته وعلاقاته منذ عام 1979 وحتى رحيله الى
الشام عام 1991، لذلك فقد توفرت لدي المئات من الوثائق الخاصة والشخصية والصور
والكتابات، وضعتها باجمعها تحت تصرف المركز ليصبح الان المركز الوحيد المسؤول عن
تراث الجواهري وتاريخه ومنجزاته وصوره وغير ذلك من الوثائق.
*ما
أبرز ما حققه المركز؟ وما
الذي تطمحون لتحقيقه مستقبلاً؟
-تدير
المركز نخبة متطوعة من محبي الجواهري واصدقائه دون مقابل لابراز المنجز الثقافي
العراقي عامة، وليس الجواهري وتراثه وحسب، وكنا نطمح ان يتعدى هذا النشاط براغ الى
اوربا، ولكن بحكم محدودية الجانب المادي، ونحن نتباهى بأننا لم نتلق أي دعم لحد
الان، برغم مختلف الانشطة التي قمنا بها، باستثناء مرة واحدة تلقينا دعماً من
وزارة الخارجية العراقية ولم يكرر ذلك ولحد الان، برغم مراسلاتنا ومخاطباتنا
للمؤسسات الثقافية، وللمسؤولين السياسيين ولقاءاتنا المباشرة مع المسؤولين، وانا
تحدثت مباشرة مع (السيدجلال الطالباني) ووعد خيراً واوعز أمامي الى عدد
من المتابعين او المرافقين له، لكن لا احد يعلم سبب عدم الاستجابة، وكتبنا ايضاً
للسيد وزير الثقافة مفيد الجزائري الذي كان هو احد العاملين مع الكادر الاعلامي
لمؤسسة بابلون ويبدو انه حينما اصبح وزيراً انشغل بقضايا اخرى، كما تحدثت مع
شخصيات اخرى، وعلى سبيل المثال مع السيد عمار الحكيم مباشرة، ومع الاستاذ هوشيار
زيباري باعتباره وزيراً للخارجية، على اية حال انني احاول ان اجد مبرراً لانشغال
المسؤولين بمهمات كبيرة.
*هل
تفكرون بتحويل مركز الجواهري
الى مؤسسة لرعاية الشعراء الشباب مثلاً؟
-هذا
كان ضمن برنامجنا الذي قدم بشكل رسمي الى المؤسسات الثقافية الجيكية التي اجازت
المركز وايضاً تحضرني ملاحظة، ان ما قدم من الجيك لرعاية المركز برغم محدوديته هو
اكثر بكثير مما قدمته السلطات والمؤسسات والشخصيات الثقافية في العراق، وكان ضمن
برنامجنا وضمن النظام الداخلي والدستور الذي اجيز المركز في ضوئه، ان يكون مركزاً
للتبادل الثقافي ليس فقط عن الجواهري وانما ايضاً ان يتوسع شيئاً فشيئاً حتى يغطي
الكثير من الفعاليات الثقافية المختلفة.
*كيف
تقيمون اهتمام اقليم
كوردستان
بالجواهري؟
-في
مقالة صحفية سابقة ذكرت ان من المفارقة المفرحة والمحزنة ان يحتفي الكورد بـ (شاعر
العرب الاكبر) في أبرز مدينتين لهم وهما اربيل والسليمانية في حين ان مدينة النجف
التي ولد فيها وخرج منها الجواهري يعد فيها المسؤولون لكن لا احد يعلم متى ستنفذ
الوعود، وفي بغداد ايضا ًهنالك تصريحات ووعود واهتمامات تطلق منذ سبعة اعوام والى
الان لا يوجد أي اجراء تنفيذي، صحيح جرت بعض المهرجانات او اللقاءات، لكن الشعوب
المتحضرة تقاس بمدى اهتمامها بمثقفيها ورموزها وشخوصها الابداعية.
*كيف
تقيم مشاعر الجواهري
تجاه
الكورد؟
-لدينا
مشروع للكتابة حول (الجواهري والكورد وكوردستان) وبالمناسبة فاجأني الزميل الاستاذ
طارق ابراهيم شريف بان لديه ذات الفكرة والتوجهات وانني من خلال اعدادي لهيكل هذه
الدراسة حضرت اكثر من مناسبة، والى جانب قصيدته (قلبي لكوردستان يهدي) الشهيرة فان
هنالك جملة من المواقف الفكرية والنظرية والقناعات التي باح بها الجواهري علناً في
مواقفه الى جانب الشعوب المناضلة، وسوف نوثق في مشروعنا هذه المواقف ومنها مشاركته
في مهرجان (بيره ميرد) وتوثيق قصيدته عن الشاعر الكوردي الشهير (بيكه س) ومراسلاته
مع الزعيم الكوردي الراحل ملا مصطفى البارزاني وعن علاقات الصداقة التي كانت تربطه
بالسيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني وعن زيارات الرئيس مسعود بارزاني الى دمشق
وزياراته للجواهري في بيته، وانا شخصياً حضرت ثلاثاً من تلك الزيارات، التي كانت
زاخرة بالمشاعر والمناقشات وتبادل الآراء والمودة والمحبة المشتركة.
*باعتباركم
شاهداً على تلك الزيارات
كيف وجدتم علاقة الجواهري بالرئيس
مسعود بارزاني؟
-تعدت
تلك العلاقة الاطر السياسية الى علاقة احترام ومحبة، حتى ان الجواهري كما اذكر قال
للرئيس مسعود بارزاني بالحرف الواحد: (اخجلتني بتواضعك وباهتمامك بزيارتي)، وقد
أبدى الجواهري رغبته في رد الزيارة، لكن الرئيس مسعود أعتذر بكل تواضع.. وهذا
اللقاء كان في سوريا عام 1987، ولدينا صور فوتوغرافية متفردة توثق لقاء (كاكه
مسعود) بالجواهري.
*كيف
كان ينظر الجواهري
لشخصية السيد مسعود بارزاني؟
-كان
الجواهري يتابع باهتمام المعلومات والنشاطات التي كان يقوم بها السيد مسعود
بارزاني بشكل استثنائي ومتميز، وعلى العموم كما يعرف الكثيرون ان الجواهري كان
موضوعياً في تقييماته لا يتسرع ولا يبالغ، وكان يجد في سياسة الحزب الديمقراطي
الكوردستاني عموماً مواقف متزنة ومتأنية ومنفتحة أنني اسجل ذلك للتاريخ، وبالتأكيد
فان احترام الجواهري وتقديره لمواقف الديمقراطي الكوردستاني انعكاس لمواقف وسياسة
رئيس الحزب السيد مسعود بارزاني، وكان يقول كم يحتاج العراق الى شخصيات مثل الرئيس
مسعود ليتخلص من ازماته ومن مشكلاته، وقد كرر ذلك بعد زيارة الرئيس مسعود له عدة
مرات.
*كم
بلغ عدد زيارات السيد
مسعود بارزاني للجواهري؟
-انا
شخصياً حضرت ثلاث زيارات في بيت الجواهري في الشام خلال الثمانينيات.
شخصية
الجواهري
*من
الذي اطلق على الجواهري
لقب (شاعر العرب الاكبر) ومتى؟
-سبق
ان اطلقت على الجواهري عدة القاب منها شاعر العراق الاكبر وشاعر الامة الاكبر لكنه
كان يفضل هذه التسمية (شاعر العرب الاكبر) وهذا اللقب بتقديري اطلق من قبل الدكتور
علي جواد الطاهر، في مطلع الستينيات، وأخذ اللقب بالانتشار حتى اصبح حقيقة لا
يختلف عليها اثنان، حتى من قبل الذين لا يحبون الجواهري شخصياً، لانه هضم في
السنوات الطوال بحكم مواقفه المتنورة،ظلم من قبل الاخوة المتدينين المتشددين، ظلم
من قبل القوميين المتشددين وظلم من قبل اليساريين المتشددين، و مع ذلك فقد باتت
قامة الجواهري عموداً يقيس عبرها الشعراء والادباء مقاساتهم.
*من
من شعراء المعلقات ترى
ان الجواهري كان امتداداً له؟
ومن من الشعراء الان يمكن ان
يكون امتداداً له؟
-لم
يكن الجواهري معجباً كثيراً بالمعلقات، لكنه كان يؤكد في اكثر من تصريح وموقف قربه
واقترابه من البحتري والمعري والمتنبي.
*ومن
ترون انه يمكن ان يكون
امتداداً
له؟
-هذه
اشكالية بدأت ولن تنتهي، لانه كما كتب الكثير انه بعد الف عام ظهر الجواهري بعد
المتنبي، فكم نحتاج لظهور جواهري جديد.
*ما
أبرز حالات قوة الجواهري
وحالات ضعفه؟
-سأجيبك
ببيتين من شعره يقول:
عجيب
امرك الرجراج لا جنفاً ولا صددا
تضيق
بعيشة
رغد
وتحسد كل من رغدا
ولا
تقوى
مصامدة
وتعشق كل من صمدا
هو
يقول عن نفسه لست ثابتاً في موقف ولن اثبت لان الحياة متغيرة،وثبات الرأي عند موقف
معين لا يعني الا التقولب والجمود.
* ما
أخطر ما مر به الجواهري؟
-
كانت الغربة، ليست بمعناها الجغرافي، وانما بمعناها الأنساني ذات تأثير قاس عليه
وهو يقول في ذلك:
يا
غريب الدار لم تكفل
له الأوطان دارا
يا
غريب الدار ناغي الشعر يحضك الحوارا
سامح
القوم
انتصافاً
واختلق منك اعتذارا
علهم
مثلك
في
مفترق الدرب حيارى
كانت
الغربة.. والشعور بالهضمية هو الأخطر، فقد كان عند رحيل الأحبة صامداً، وفي
التهديد لا يخاف، لكن اقسى ما كان يعاني منه شعوره بأن ما قدمه لهذا البلد حصد
جزاءه اغتراباً وأن يبقى حتى اليوم بعد وفاته في ثرى دمشق وتجد انعكاسات ذلك في
عشرات من القصائد والمواقف.
* هل
تعرض الجواهري للتهديد
قبل ان يرمي نفسه في متاهات الغربة؟
-
التهديد الذي دفع به لان يقرر الأغتراب هو ما سجله في ذكرياته من أن هنالك مجموعة،
وهنالك محاولات من داخل سلطة عبد الكريم قاسم ومن خارجها للنيل منه، وكما يثبت
بأنه ابلغ بشكل شبه رسمي من احد دبلوماسيي أحد البلدان الأشتراكية بأن حياته مهددة
بالخطر، ومعروف كيف كانت الأوضاع في أعوام 1960، 1961، ولذلك.. واهتماماً من الدول
الأجنبية بالمثقفين والمبدعين، وجهوا له دعوة لزيارة المانيا الديمقراطية، واغتنم
الجواهري فرصة انعقاد مؤتمر تكريم الأخطل الصغير (بشارة الخوري) في لبنان، وأطلق
هضميته بصرخة كبيرة ثم توجه الى المانيا، ودعي صدفة الى الجيك، ويبدو أنه طاب له
المقام، فبقي هنالك ما بقي، وبالمناسبة فإنه في بدايات خروجه قال هذه القصيدة
الأنسانية المعبرة في تكريم بشارة الخوري:
ابشارة
وبأي ما شكوى اهزك
يا حبيبي
شكوى
الغريب الى الغريب ام القريب الى القريب
هل
صك سمعك
بأني من
رافدي بلا نصيب
في
كربة وأنا الفتى الممراح فراج الكروب
وأذكر
ان أحد الصحفيين اللبنانيين كتب في حينها أنه عندما يخرج الجواهري من العراق
فأستقرأوا ما سيكون عليه العراق!
*
ماذا عن موقف النظام السابق
من الجواهري؟
-
كانت هنالك مضايقات لافراد عائلته، فقد اعتقل ابنه كفاح وعذب تعذيباً (مناسباً)
واستدعيت ابنته (خيال) الى التحقيق ثم تمت مطاردة ابناء عم الجواهري بحجة تبعيتهم
لأيران واراد النظام اثارة الأحقاد الطائفية مجدداً ومعروف كيف كان موقف الطائفيين
المتشددين منه في العشرينيات، وبرغم كل عنفهم وقساوتهم وبرغم كل جرائمهم، يبدو ان
الجواهري كان يرهبهم امام الرأي العام العربي والعالمي اذا ما تعرضوا له بشكل مباشر.
* ما
عدد دواوين وقصائد الجواهري الشعرية؟
-
بالنسبة لدواوين الجواهري فأن المجموعة الكاملة التي صدرت وكانت أكثر دقة، آخرها
في لبنان عام 2000 بخمسة اجزاء، قصائده بحدود 200 قصيدة، اما ابياته الشعرية
فتعددت (25) ألف بيت شعري، اما دواوينه فقد جمعت كلها في مجموعته المؤلفة من خمسة
اجزاء عدا مذكراته التي صدرت في جزئين الأول صدر سنة 1989.
*
متى شعر الجواهري ان قبضة
الحزن
كانت قوية وقاسية عليه؟
-
ابرز خمس مآس عائلية عانى منها الجواهري كانت استشهاد شقيقه جعفر ووالدته وهو في
الغربة. وزوجته الأولى (أم فرات) سنة 1939، ورثاها بقصيدة مؤثرة حيث كان في بيروت
وسمع بوفاتها وهي شابة بعد.. والرابعة وفاة شقيقته الوحيدة ودفنت في الشام،
والأخيرة وفاة زوجته الثانية، وقال: كنت اتحمل كل تلك المآسي لأنني كنت قوياً..
أما مأساته الأخيرة بوفاة زوجته الثانية فقد هزته بعنف إذ كان في التسعين من
عمره.. وقال (لقد سقط السقف) وبدأت منذ تلك المأساة صحته بالتدهور.
* هل
كنت معه في لحظاته الأخيرة؟
- مع
الأسف اقول بأنني لم استطع نفسياً ان اتحمل مرأى عذاباته ومعاناته في سنته
الأخيرة.
* ما
الذي اوصى به قبل وفاته؟
-
الى جانب الوصية العائلية حول ما لديه من ارث محدود، فقد اوصى ان يدفن في دمشق قرب
شقيقته وزوجته.
* هل
كانت الغربة عاملاً للأبداع
لدى الجواهري أم بحراً للأحزان بلا حدود؟
- هو
تحدث عن ذلك، مؤكداً ان الشاعر ما لم تلم به احداث جسام لا يستطيع ان يبدع،
واحياناً سواء كان يقصد المزاح أم الصدق كان يقول انه من محاسن عبد الكريم قاسم
انه دفعه للخروج من العراق لينتج ما انتج من ابداع ثر، فكانت تهزه الأحداث فيهزها
بقصيدة.
*
أين تضع الجواهري في السياسة
ام الأدب ام المرأة أم الغربة ام الوطن ام الحب؟
- هو
موجود في ذلك كله، بالأخص في الجانب الأنساني
* ما
ارق بيت شعري تحفظه عن الجواهري؟
-
بيت يقول فيه:
ما
شاء فليكتب عني الدهر اني لا ابالي
ان كان خصرك في اليمين وكان كأسي في الشمال
* ما
الذي كان يكرهه ومالذي كان يحبه؟
-
الشيء الذي كان يكرهه بشكل مباشر ويخشى منه ويفكر به دائماً كان الموت، وهو يعبر
ببيت شعري عن ذلك الموقف قائلاً:
أنا اكره الموت اللئيم وطيفه
كرهي لمقاتل كذاب
ذئب
ترصدني وفوق نيوبه
دم اخوتي واحبتي وصحابي
مع كرهه الشديد للموت بيد ان المفارقة المؤلمه
انه كان يتمناه في ايامه الاخيره وكان يقول ( الا
موت هنالك فأشتريه) كان يريد ان يتخلص من معاناته وكان يؤمن بالمثل الصيني (ولدوا
فتعذبوا فماتوا) وفي ايامه الأخيرة كان يشعر بأنه اصبح عبئاً ثقيلاً، قدماه لا
تحملانه.. فبدأ يضيق بتلك المعاناة وهو يسحب أو يحمل أو يقوم الآخرون بأطعامه
وكانت تلك المعاناة بالنسبة له ربما اصعب من الموت.
*
متى توقف عن نظم الشعر؟
-
سنة 1993، عندما كتب رسالة شكر الى منظمي المسابقة الثقافية والجائزة التكريمية
للمثقفين في استراليا، فقد دعي ولم يستطع الذهاب فأرسل لهم قصيدة شكر وتقدير
لمنحهم اياه وسام التكريم الثقافي لعام 1993.
*
كان الجواهري نقيباً للصحفيين
العراقيين ورئيساً لاتحاد الكتاب
والأدباء هل انصفته الجهتان؟
-
الأجابة معقدة، لكنني اظن انهم لم يستطيعوا ان ينصفوا انفسهم حتى الآن، فهل
يستطيعون ان ينصفوا الجواهري؟
* هل
انصفته الحكومة العراقية؟
- لا
يمكن الحديث عن معنى من معاني الأنصاف للجواهري من قبل الأحزاب التي وصلت الى
السلطة ولاسباب ارى انها متداخلة، من ابرزها انها لا تحتمل افكار الجواهري
التنويرية والتوجيهية والأنهاضية فلهم ما يعذرهم بتقديري.
* هل
انصفه اقليم كوردستان؟
-
الى حدود كبيرة وبتميز وتفرد، وقد تجاوز الشعب الكوردي وقيادته وسلطته الحدود
المطلوبة، إذ لم يكن مطلوباً منها ان تقيم تمثالين للجواهري في كل من اربيل
والسليمانية وأنا اذكر دائماً عبر الفضائيات والصحافة هذا الأهتمام.. صحيح ان
الجواهري كتب قصيدة حول الكورد.. ولكن هل تستحق القصيدة كل هذا التقدير والوفاء؟
أظن ان هذا نابع عن طيبة الشعب الكوردي ووفائه وتقاليده.
آهــة
الغـــربة
اخيراً..
ترجل فارس الشعر العربي الذي ملأ الدنيا ضجيجاً عن جواده.. رحل الجواهري غريباً..
ودفن في الغربة.. بعيداً عن (فراتيه) وعن (دجلة الخير) وكأني به في (جواهره
الشعرية) وفي رحيله يرسم لوحة للألم والحزن والمعاناة.. ممزوجة باللوعة والعتاب
والمكابرة.. وهو يشدو بألم:
يا
ابن الفراتين قد (تنكر) لك البلد
و(كنت)
فيه الصادح الغرد
لكنه
سيبقى جزءاً حياً خالداً من سفر التأريخ والحضارة والثقافة والأبداع الانساني على
مر الزمان وستبقى قصائده دررا متوهجة بالابداع وبرهافة الاحاسيس والبلاغة
والمعاناة .. فالتأريخ لا يموت ولا يمكن ان يموت .