قال
المخرج مروان ياسين ان البدايات الاولى لنشؤ الظاهرة المسرحية في العراق كانت في
مدينة الموصل شمال العراق ويعود الفضل في ذلك الى رجال دين مسيحيين واضاف ياسين خلال
لقاء مع موقع قناة عشتار الفضائية بمناسبة يوم المسرح العالمي ان الشماس حنا حبش هو اول مسرحي في العراق يكتب
نصا مسرحيا ويخرجه ويقدمه في باحة الكنيسة وقد كتب
حبش ثلاث نصوص مسرحية كوميدية وهي ادم وحواء / ويوسف الحَسِن / وطوبيا
المزيد
في متن الحوار التالي:
س/ هل
بالامكان تعريفنا ببدايات المسرح في العراق ؟
ج/
لايختلف اثنان على ان البدايات الاولى لنشؤ الظاهرة المسرحية في العراق كانت في
مدينة الموصل شمال العراق . ويرجع الفضل في ذلك الى رجال الدين المسيحيين ( الاباء
الدومنيكان) الذين كانوا يتولون الرعاية الدينية في كنيسة( اللاتين ) او ماتعرف به من قبل عامة الناس كنيسة
(الساعة ) نسبة الى الساعة الجدارية الكبيرة التي تعلو برج الكنيسة والتي يعود
تاريخها الى الربع الاول من القرن التاسع عشر . في هذه الكنيسة كانت البدايات
الاولى ألاولى العروض المسرحية في العراق وذلك عام 1880 . وكان الشماس حنا حبش هو
اول مسرحي في العراق يكتب نصاً مسرحياً ويخرجه ويقدمه في باحة الكنيسة . وقد كتب
حبش ثلاث نصوص مسرحية كوميدية وهي ( ادم وحواء / ويوسف الحَسِن / وطوبيا) وقد تبنت
الكنيسة منذ تلك اللحظة الفن المسرحي ووظفته من اجل اغراض تربوية دينية .
والمسرحيات التي كتبها حبش لم تكن تدخل في باب الترجمة عن اصول اجنبية فرنسية او
مقتبسة عنها كما اشار البعض . بل هي نصوص استفادت فقط من حيث الشكل الفني للكتابة
المسرحية الاجنبية لاأكثر بينما بقيت الموضوعات والافكاروالشخصيات المطروحة محلية ومستقاة من الواقع المعاش ومن الحكايات
والقصص المتداولة . وعلى هذا تعد محاولة حنا حبش محاولة اصيلة في ولوج عالم
الكتابة المسرحية ,وبعد ذلك استمرت المحاولات داخل الكنيسة حتى نهاية العقد الاول
من القرن العشرين وبداية العقد الثاني منه عندما بدات اول ملامح تشكيل الفرق
المسرحية العراقية الاهلية وقد تزامن ذلك مع وصول فرق عربية مسرحية الى العراق
لغرض عرض اعمالها ومنها فرقة جورج ابيض المصرية عام 1926، وقد شارك في حينها رائد
المسرح العراقي المعاصر الفنان حقي الشبلي بدور صغير في ذلك العرض الذي قدمته فرق
جورج ابيض وليقوم هو بعد ذلك بتأسيس الفرقة الوطنية التمثيلية . وتأسست بعد ذلك
عدد من الفرق الاهلية التابعة الى جمعيات ونوادي ثقافية واجتماعية لكن تأسيس قسم
المسرح في معهد الفنون الجميلة في بغداد في عام 39 كان نقلة مهمة في مسيرة بناء
المسرح العراقي وليكون هذا الصرح العلمي المنطلق الحقيقي لنشؤجيل جديد يحمل معرفة اكاديمية في الفن المسرحي بعد ان كان
الفهم السائد قبل ذلك يعتمد على الارتجال والعفوية . ونعود مرة اخرى لاقول ان لولا
رجال الدين المسيحيين ( الاباء الدومنيكان ) في كنيسة اللاتين لما عرف العراق
المسرح .
س/ كيف
تنظر الى واقع المسرح العراقي اليوم ؟
ج/
الصورة الان غير واضحة وملتبسة ولايمكن تحديد ماستكون عليه وهذا يعود الى طبيعة
الوضع السائد في العراق بعد عام 2003 فهنالك الكثير من المتغيرات التي حصلت في
المجتمع العراقي ولم تنضج الصورة العامة لهذا المجتمع بعد التغيير المذكور والمسرح
هو الاخر انعكست عليه هذه الاوضاع بشكل كبير وانحسر الانتاج المسرحي كماً ونوعاً
والاخطر في هذا الموضوع هو طبيعة الموضوعات التي بدأت تطرح على خشبة المسرح
العراقي . اذ لم يعد بالامكان ان التطرق الى الكثير من الموضوعات بالحرية الكافية
خوفاً من سلطة جهاتٍ سياسيةٍ وحزبيةٍ ودينيةٍ متعددة ومتنوعة . وهذه الجهات تدعي
مناصرة الديموقراطية وحرية التفكير والى اخره من هذا الكلام المستهلك لكنها ساعة
الحقيقة عندما يمسها اي طرح لايعجبها ويتقاطع معها لاتتردد في معاقبة الجهة الفنية
التي انتجت العمل . لذا هنالك تردد وحذر لدى الكثيرين عندما يقدمون على اختيار اي
عمل مسرحي لتقديمه وعليهم ان يراعوا بحذر كل الاوضاع والقوى السياسية والدينية
الفاعلة والمتحكمة في الشارع العراقي . انا اعتقد في ظل هذه الاوضاع السائدة في
العراق حالياً التي يغيب فيها القانون في اغلب الاحيان لايمكن ان يحيا المسرح
وينتعش بصورة طبيعية . لان المسرح يحيا في الازمنة الطبيعية التي لايسود فيها
الارهاب ولايسود فيها التكفير والتخوين الوطني . ولاأقصد بالاوضاع الطبيعية ان
يكون المجتمع مرفهاً اقتصادياً انما اقصد ان حرية التعبير متاحة ومكفولة للناس
لقول ماتريد بالطريقة التي تريد دون ان تتعرض للتهديد والقتل . لذا لايمكن لي ان
اقبل او اوافق البعض بالعمل وسط اجواء محفوفة بخطر الموت المجاني لا لشيء فقط من
اجل ان تقدم عرضاً مسرحياً . هذا في تصوري مقامرة بالحياة وليس مغامرة تستحق الخوض
فيها . لان الفن المسرحي رسالة جمالية يقدمها الفنان من اجل خلق عالم اخر اجمل
وليس معركة دموية يخوضها ضد الاخرين . المسرح جدل وحوار ساخن بين طرفين يتّسمان
بالعقل والحكمة وليس بين طرف عاقل واخر مجنون ومتهور . هذه معادلة خاطئة و الخاسر
فيها هم العقلاء .
س/ برأيك
ماهي السبل او الخطوات التي تؤد الى تطوير المسرح العراقي
ج/
لكي نخرج مما نحن فيه لايمكن ان نعمل بمعزل عما يدور حولنا من ارهاصات تتشكل
لتكوين نظام سياسي وحياتي جديد يحيط بنا . نحن الان امام تحول جديد ومختلف في نمط
النظام الذي يحكمنا . لقد تعودنا ان نحيا في ظل انظمة يقودها حزب واحد او يقودها
العسكر على مدى ستون عاما بعد سقوط التجربة البرلمانية للنظام الملكي في العراق
عام 1958 . وطيلة تلك السنوات تعودنا ان نفكر وفقاً للطريقة ووفقاً للنظام الذي
كان يأسر حياتنا بقيود رقابية ايدلوجية صارمة . والان نحن ايضاً نخضع لقيود ثقيلة
وان كانت بشكل اخر رغم الشعارات البراقة
المطروحة . لكنني مع ذلك اتمنى ان تستقيم الحياة بشكل او بأخر بعد هذا
المخاض الصعب الذي يخوضه الشعب العراقي منذعام 2003. من اجل ان يحيا في ظل نظام
سياسي يحترم التعددية والحياة النيابية ويتم فيها تداول السلطة بين الفرقاء بطريقة
سلمية . هذا في الحقيقة مايرجوه جميع الناس لانهم ذاقوا الكثير من العذاب جراء
سياسات ارتكبها قادة حمقى ومتهورون واحزاب لم تكن تفكر الا في مصالحها . وفي حالة
وصولنا الى مستوى من القبول للسياسات السلمية في تداول السلطة في الاعوام القادمة
القلية ـ كما اتمنى ــ يمكن عند ذاك ان تنتعش الحياة بكل صورها ومنها
الثقافة بكل حقولها بما فيها المسرح الذي يعد الطليعة في استجابته لكل المتغيرات
التي تحصل في المجتمعات . هذا إذا ما نسينا مايمتلكه المسرح العراقي من طاقات فنية
فردية هائلة قادرة على تحقيق نهضة كبيرة جداً في الميدان المسرحي .
س/ ماهو
موقفك من المسرح التجاري ؟
ج / المسرح
التجاري الان لاوجود له في العراق . ووجوده حقيقة لايشكل ذلك بالنسبة لي اي حساسية
. ولاأتفق مع الاراء التي تدعو الى منعه وعدم السماح لوجوده . ذلك لانني اؤمن ان
الحياة تحتمل التنوع في كل شيىء وينبغي ان نترك الحرية المطلقة للناس لكي تختار
ماتريد ان تتطلع عليه ولايمكن القبول بفكرة ان نكون اوصياء على الناس نحدد لهم
مايشاهدون ومايقرأون ومايأكلون . ينبغي الايمان بحرية الانسان كاملة في الاختيار
ولانجزءهذه الحرية وفقاً لما نشتهي او وفقاً لماتشتهي السلطات والقوى التي تملك
زمام السيطرة على الامور . كما ان الانسان الان بما شهده من تحولات حضارية وتطور
في وسائل الاتصالات لم يعد بتلك العقلية وتلك المحدويدة في الفهم .ليس بأمكانك
الان الان ان تمنع المعلومة ان تصل الى الناس مطلقاً لانه قادر على الحصول عليها
بطرق عديدة لايمكن السيطرة عليها والتحكم بها . لذا ليس من المقبول الان منع
المسرح التجاري . او اي مسرح اخر اذا اردنا ان نمنع الناس من الذهاب الى تلك
العروض علينا ان نبحث عن السبل التي نطور بها ادواتنا الفنية التي تتمكن من
استقطاب الناس الينا وهم بكامل حريتهم ووعيهم وليس بالقوة .
س/ هل
نستطيع ان نتحدث عن فترات ازدهر فيها المسرح العراقي ؟
ج/
في فترة التسعينيات من القرن الماضي شهد المسرح العراقي ازدهاراً ملحوظاً للظاهرة
المسرحية بشكل عام فكان هناك العديد من العروض التجريبية التي يقدمها عدد من
المسرحيين ومن اجيال مختلفة صلاح القصب وشفيق المهدي وكاظم نصار وحيد منعثر وناجي
عبد الامير وباسم عبد القهار وبشار عبد الغني وعادل محمود . واخرين وبنفس الوقت
كان هنالك العديد من العروض الاخرى التقليدية التي تتوزع مابين العروض الترفيهية
او مايسمى المسرح التجاري وعروض اخرى لمسرحيات جادة تقدم موضوعات تستقطب اهتمام
المتلقي العراقي رغم خلوها من التجديد على مستوى الشكل الفني . لكن بشكل عام
المسرح كان في حالة من النمو والعمل والكل كان يعمل والكل له من يشاهده وله من
يرفضه . وهذا هو الوضع الطبيعي رغم اننا كنا نحيا في ظل ظرف غيرطبيعي في تلك
الايام التي كان الحصار الدولي قد القى بظلاله قاسية على حياتنا لكن مع ذلك كان
المسرحيون بكل تنوعهم يعملون .
س/
كلمة اخيرة
ج/
اتمنى ان تدرك جميع القوى الفاعلة في العراق ان الفرصة مؤاتية لخلق صورة جديدة
لمجتمع جديد إذا ما أمنّا بحرية الانسان وبحرية التعبير .