قناة عشتار الفضائية
 

يعيش في قصر وأتباعه ينتحرون.. "المولى" وقصة "القربان"

 

عشتارتيفي كوم- الحرة/

 

جماعة غامضة أتباعها يُقدمون على الانتحار، في حين يعيش زعيمها في قصر محاط بهالة من القدسية، فهو لا يتحدث مباشرةً إلى زوّاره، بل عبر وسيط، ولا يستضيف إلا "المتنفذين". فما قصة "المولى" الذي دخل "قصره" أحد رجال الدين وكشف لنا جزءًا من شخصيته المثيرة؟ وما قضية جماعته "القربان"؟

شهد العراق في السنوات الماضية ظهور العديد من الحركات والجماعات الدينية المثيرة للجدل، التي صنّفتها السلطات والمرجعيات الدينية بالمنحرفة، لكن جماعة القربان أو "العلاهية" تُعتبر الأكثر خطورة، لاختيارها "الانتحار" طقسًا يُقدم عليه أتباعها.

وجماعة القربان واحدة من الحركات "العليّ الهية"، أي التي تدعو إلى ألوهية الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد. وتطلق الجماعة على نفسها اسم "القربان" لأنها تعتبر الانتحار والتضحية بالنفس طقسًا رئيسيًا يقرّبها من "علي".

وبعد عام 2003، بدأت عدة حركات دينية غامضة تتشكل في العراق خاصةً في جنوب البلاد، بينها، بالإضافة إلى جماعة القربان، "جند السماء" و"أولاد الله".

وغالبية هذه الحركات تُعد جماعات "علاهية" و"مهدوية"، وهي مُصنفة ضمن الحركات الدينية المنحرفة من قِبل مراجع الشيعة والسلطات.

وتحيط الأحداث المرتبطة بجماعة القربان، من طقوس أتباعها إلى أعداد المنتحرين والمعتقلين، تعتيمًا إعلاميًا كاملًا من قِبل السلطات الأمنية، ولا توجد أي إحصائيات حكومية كاملة عنها.

وحاول موقع "الحرة" عبر اتصالات مع جهات أمنية وحكومية عراقية الحصول على معلومات عن هذه الجماعة، لكن دون جدوى.

وتُعتبر محافظة ذي قار واحدة من المحافظات العراقية التي شهدت أكثر حالات الانتحار خلال السنوات الماضية.

ويقول مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في ذي قار، التابعة لمجلس النواب العراقي، داخل عبدالحسين، لموقع "الحرة": "سجّلت الجهات المعنية في محافظة ذي قار 123 حالة انتحار خلال العام الماضي 2024، منها 5 حالات كانت لمنتمين لجماعة القربان".

وأشار إلى أن نحو 70 بالمئة من المنتحرين هم من المراهقين والشباب الذكور، لافتًا إلى أن ذي قار سجلت 8 حالات انتحار جديدة مطلع العام الحالي 2025، دون أن يؤكد انتماء المنتحرين لجماعة القربان.

وكشف ناشطون وصحفيون، تحدث معهم موقع "الحرة"، أن المنتمين لجماعة القربان يشكلون غالبية أعداد المنتحرين المسجلين في العديد من مدن جنوب العراق ووسطه.

واللافت أن معظم هؤلاء الناشطين والصحفيين فضّلوا عدم الكشف عن أسمائهم لدواعٍ أمنية، ووفق حديثهم يُعرف المنتحر بأنه من أتباع الجماعة عبر تركه رسالة قبل الانتحار، يذكر فيها أنه "قدّم نفسه قربانًا للإمام علي".

ويُجري أتباع الجماعة قرعةً فيما بينهم لاختيار الشخص الذي سيقدّم نفسه قربانًا.

 

المولى.. حياة باذخة وهالة من القدسية

زعيم جماعة القربان ومؤسسها، عبد علي الحسني، الذي يلقّبه أتباعه بـ"المولى"، هو رجل دين عراقي شيعي، مقيم حاليًا في مدينة مشهد الإيرانية.

وهو معروف في أوساط الحوزة العلمية في النجف، فقد كان أحد طلابها، ومن ضمن قيادات حزب الدعوة الإسلامي. واضطر إلى مغادرة العراق إلى الكويت خلال سبعينيات القرن الماضي، إثر الاعتقالات التي شنّها نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ضد أتباع وقيادات الحزب آنذاك.

وبعد وقت وجيز، غادر الكويت واستقر في إيران.

وبعد محاولات عديدة استمرت عدة أيام، نجح موقع "الحرة" في الوصول إلى رجل دين عراقي شيعي، هو الشيخ خالد الحمداني النجفي، الذي التقى مرتين بـ"المولى" بشكل مباشر عام 2023 في مقر الأخير بإيران.

ونقل النجفي لموقع "الحرة" بعضًا من تفاصيل هذه الزيارة المثيرة ومعلومات عن هذه الشخصية الخطرة.

"ملابسه تشبه ملابس المتصوفين، ثيابه خضراء اللون، ويضع عمامة سوداء. لا يتحدث إلى ضيوفه بشكل مباشر، بل يتكلم إلى شخص من أتباعه، وهذا الشخص ينقل الكلام إلى الحاضرين، حتى أننا لم نسمع صوته بوضوح"، يقول النجفي.

ويشير النجفي، وهو أستاذ في الحوزة العلمية ومدير مدرسة العرفان في النجف، إلى أن زيارته للمولى جاءت استجابة لدعوة خاصة وجهها لعدد من الشخصيات العراقية لزيارة مدينة مشهد الإيرانية.

وكان عنوان الزيارة "قضية نَسَبية"، أي الانتساب لأسرة هذا الشخص "المولى".

ويلفت النجفي إلى أن المولى لا يلتقي إلا بالأشخاص ذوي التأثير والنفوذ، والذين يملكون مواكب حسينية ضخمة في العراق، للترويج لأفكار جماعته بشكل واسع.

ويعرب عن تفاجُئه بالمستوى المادي الهائل، والقصر الذي كان يسكن فيه المولى، وحجم الأموال المخصصة لاستضافة العديد من الشخصيات وزعماء العشائر والمسؤولين عن المواكب الحسينية.

وقال إن الأشخاص الذين اعتقلتهم السلطات بتهمة الانتماء لهذه الجماعة هم من الطبقات المعدمة، أما الشخصيات القيادية في الجماعة فهي بمنأى عن المحاسبة.

 

التدخين من سيجارة "المولى"!

ويسلّط أستاذ الحوزة العلمية الضوء على أبرز ما شاهده من طقوس خلال لقائه المولى.

وقال إن "أحد أبرز الطقوس تمثّل بتدخين المولى السيجارة بحضورنا، وعند وصوله إلى نهاية السيجارة، وقبل أن ينهيها بالكامل، أعطاها لأحد أتباعه ليدخّنها هو الآخر، ومن ثم مرّر ما تبقى من السيجارة على أتباعه الآخرين في المجلس، الذين تناوبوا على تدخينها".

ويلفت النجفي إلى درجة التقديس والتوقير التي يُبديها أتباع المولى لزعيمهم، معتبرين أنه يرتبط بعلاقة مباشرة بالإمام الحسين، وأن خطواته تأتي بتكليف مباشر من الحسين. ولا يتحدثون معه إلا بكلمات قليلة، أما من يرغب منهم بالتحدث إليه، فيجلس أولًا ثم يقترب منه تدريجيًا وهو جالس.

ووفق النجفي، عرض المولى على الحاضرين خلال اللقاء مجموعةً من الملابس والدروع، وقال لهم إنها ملابس ودروع الحسين وأصحابه. وكان من ضمن ما عرضه على الحضور نعل قديم مصنوع من خوص النخل، وأبلغهم المولى أنه مبارك لأن تاريخه يعود إلى أيام النبي محمد.

ويوضح النجفي: "مرّروا علينا هذه الأشياء لنقبّلها جميعًا، واضطررنا إلى فعل ذلك لأننا كنا ضمن حشد من الحاضرين، وللمكان رهبة وخوف".

وقال النجفي: "أكّد لنا المولى بأن الميزانية مفتوحة لزيادة الضغط باتجاه المواكب، وتشجيع الشباب على التوجّه نحو شعائر مواكب الشور، واستخدام قضايا غريبة عجيبة كالتطيين والثياب القديمة في الشعائر الحسينية، والتركيز على القضية الدينية والتشيّع".

ويعتبر توجّه هذه الجماعة نحو الانتحار وسيلةً لتسليط الضوء عليهم، بهدف جذب الشباب بطريقة عقائدية، وعبر الطقوس الغريبة والدخيلة، التي سلطت الكثير من الأضواء عليهم، وجعلتهم يمتلكون ثقلًا إعلاميًا.

ويرى النجفي أن ما تفعله "القربان" هو استغلال للواقع الاجتماعي والثقافي والتخلّف الاقتصادي الموجود في المناطق النائية والبسيطة، لجذب الشباب باتجاه هذه المنظومات المتطرفة، والولاء لزعامات قد تطلب منهم مستقبلاً أن يفعلوا ما يشاؤون رغبةً لزعيم الجماعة.